الحوار بين الزوجين
لقد اكتشفنا أمراً محيراً عندما تزوجنا، وهو أن الصمت كان دليلاً على السعادة والأمن عند أحدنا، بينما كان عند الآخر غضباً ونقداً. ولك أن تتصور مقدار الألم والارتباك � بعد نزهة جميلة عندما كنا نسير صامتين وكأن أحدنا يقول: "إني أحبك كثيراً، ولا داعي للكلام" أما لسان حال الآخر فكان يقول: "إنك غاضب منى، وإلا كنت تتكلم". فى هذه الحالة الصمت ليس من ذهب! وإلى أن يحدث ما يُخرجنا من هذا الصمت في كلمات، لا نستطيع أن نوصل للآخر ما نعنيه تماماً، وبالتأكيد ليس في الزواج ما هو أهم من التفاهم والحوار، فبدونه لن نقدر أن نعبّر عن المحبة تعبيراً كاملاً، وبدون الحوار لا تنمو المعرفة الحقيقة بالشريك الآخر، وبدونه لا تُحل المشاكل. فلا تدع الأحاديث العامة والأحاسيس تخدعك بأن تظنّ أنك تعرف كل شيء عن شريك حياتك.
وفى كل زواج يحتاج الإنسان أن يتعلم كل يوم وسيلة للاتصال مدة العمر كله فعندما نصعد جبلاً، ونجتاز هذه العقبة، تقع أبصارنا على جبل آخر. وهناك شعور مستمر بالحاجة للانطواء وكذلك شعور دائم بالحاجة لكشف النفس حتى تُعرف من الشريك. وكلما بدأ التفاهم والحوار حقيقياً واضحاً في فترة الخطوبة، أمكنك أن تبني علاقتك الزوجية على الحب الحقيقي.
وفيما يلي ستة مبادئ أساسية للتفاهم والحوار، قد تنفعك وتفيدك كثيراً:
1- تكلم: تكلم أكثر واستمر في الكلام مفترضاً أن شريكك لا يعلم شيئاً عما تفكر فيه أو تشعر به. تكلم بما عندك حسناً كان أم سيئاً. وأحيانا يكون رفع الحاجبين أو هز الكتفين أو الصمت أو الدموع وسائل للتفاهم، ولكن الكلمات هى الطريقة الأفضل دائماً في توصيل المعلومات المحددة وبدقة للطرف الآخر.
2- استمع: بتفاعل إيجابي واجعل حوارك مشتملاً على بعض الأسئلة مثل:" ماذا كنت تقصدين..؟" "ما هو شعورك تجاه.... ؟"، وإذا لم تستطع أن تفهم ما يقوله الشريك الآخر حاول أن تعبر بكلماتك أنت، كأن تقول له:
"لقد فهمت من كلماتك كذا و كذا...... هل هذا صحيح؟"
3- عبّر: عن رأيك المخالف لرأي شريك حياتك بمحبة، واستمع إلى الآراء المضادة لرأيك بانفتاح. وقد يعالج أحدكما هذه المعارضة بطريقة أفضل من الآخر. فربما يستطيع الزوج أن يناقش الآراء المعارضة بطريقة افضل من الزوجة، وقد تعارض الزوجة فكرة معينة، فإذا قال الزوج:"لقد غضبت عندما اقترحت أن نتعشى خارج المنزل ترد قائلة: كلا فأنى كنت افضّل توفير المال للاحتفال بعيد زواجنا"
4- اتفقا: على ألا يكون لدى أحدكما أسرار شخصية. وليس معنى هذا أن تقول كل شئ في وقت واحد، قد يكون هذا غير مناسب، دون النظر للظروف المحيطة، وليس معناه أن تبحث في كل الخطايا الماضية، لكن معنى ذلك أن تتفقا على ألا تخفيا أي معلومات عن قصد، فمشاركة أحدكما الآخر تساعد على تحقيق معرفة اعمق بينكما، وحب اكثر.
5- لا ترد: على المشاعر بالحقائق, بل رد على المشاعر بالمشاعر وعلى الحقائق بالحقائق. حكى لنا أحدهم قصة عن زوجة وصلت إلى المنزل، بعد مشوار مرهق من محل البقال فقد كانت الأحوال سيئة في الطريق ولم تجد بعض احتياجاتها بسهولة ووقفت في الطابور الطويل أمام الخزينة، وحاولت أن تعبر لزوجها عن تعبها، فنظر لها الزوج من وراء الجريدة اليومية وقال لها: "لماذا لم تذهبي إلى مكان آخر أفضل؟".ومع أن هذا منطق سليم في هذه الحادثة المتعبة, إلا أن الزوجة في هذا الوقت لم تكن تحتاج إلى منطق سليم بل إلى تفهم و تقدير من زوجها, فكان عليه أن يقول لها مثلا: "لابد أنك تعبت, وأنا لو كنت مكانك في مثل هذا الموقف كنت سأتعب أيضاَ." وفي هذه المواقف, يمكن الاستماع إلى قول المنطق بطريقة أفضل بعد إعطاء المشاعر فرصتها.
6- عندما يصل الأمر بينكما في محاولة التواصل إلى نقطة لا حلّ لها يجب أن تبحث عن الأسباب الجذرية, فإذا وجدتما نفسيكما تتجادلان في أمر لا ينتهي أو في أمر غير مؤثر, يمكنك مثلاً أن تذكر الأسباب التي تجعلك مضطرباً, فمثلاً بعد يوم متعب وُجد زوجان يتجادلان حول مشاهدة برنامج تليفزيوني معين على قناتين مختلفتين, وبعد أن حميت المناقشات بينهما, لاحظا أن السبب الرئيسي ليس في برنامج التليفزيون, بل صعوبة التفاهم بينهما, و قد بدأت المشكلة بينهما على مائدة العشاء, عندما تألمت الزوجة من زوجها لأنه لم يهتم بما أعدته له على العشاء, و لم يهتم بتعبها في ذلك اليوم, و كذلك غضب هو لأن زوجته لم توفر له الراحة الكافية بعد يوم عمل طويل, ونسيت أن تشكره علي إصلاح ماسورة المياه, و عندما أدركا أن المشكلة الحقيقية تكمن في عدم تعودهما أن يصغيا لبعضهما, و عدم شكر أحدهما للآخر, لم تعد هناك مشكلة في أمر مشاهدة التليفزيون.
إنّ أفضل علاج للمشاكل هو تجنبها من البداية, فالوقاية خير من العلاج, لكن ذلك لا يعني أبداً أنه لن تكون هناك مشاكل, فالزواج هو اتحاد بين شخصيتين لكل منهما فكره ومشاعره وكيانه المستقل, بل أنه من الطبيعي جداً أن يدرك كل طرف أن المشاكل أمر طبيعي طالما كانت الحياة, لذلك من المفيد دائماً التفكير في كيفية التعامل معها, بدلاً من النظرة الرومانسية البعيدة عن الواقع الذي نعيشه. لذا سنستعرض الآن معاً بعض الأفكار التي قد تساعد في التعامل مع المشاكل:
أولاً: على كلا الطرفين أن يحدد المشكلة بوضوح, كل من وجهة نظره. و يجب أن يقول كل واحد للآخر: "إني أفهم أنك تقول كذا وكذا...." عندئذ يكون لكل طرف فرصة لتأكيد أو تصحيح شعوره, ليتيقن أن الحوار بين الاثنين يتحقق على أفضل وجه.
ثانياً: اشرحا لبعضكما ما تتفقا عليه, فمثلاً يقول الزوج: "إنني أعترف بأن تأخيري على ميعاد العشاء قد سبب لك مضايقة", وهي تقول: "وأنا أعترف أن ضيقي هذا وغضبي معك أغضبك أنت أيضاً". هذا وربما يكون لدى كل منكما فهم قليل عن وجهة نظر الآخر وأنكما تتفقان على أن هناك مشكلة ما!
ثالثاً: حاولا أن تكتشفا معاً كل الاحتمالات الممكنة التي أدت إلى حدوث المشكلة. اكتباها وناقشا معاً كل طرف ما له وما عليه.
رابعاً: اكتبا نوع التغيير الذي تريدان أن يتم فيكما حتى تصلا إلى حل المشكلة.
خامساً: لخصا أفضل حل وصلتما له للمشكلة.
أخيراً من الهام جداً جداً أن تحرصا كليكما على الخصوصية في العلاقة، فمن غير المقبول تدخل الآخرين في المشاكل الشخصية بين الزوجين وخاصةً من عائلة أحد الطرفين, لأن المشكلة ستنتهي بين الزوجين وسيسامح أحدهما الآخر ولكن ستبقى دائماً بعض من مشاعر الخصام والغضب لدى العائلة, فالزوجين فقط لهما القدرة على رؤية مشاكلهما وتقدير ظروف كل منهما أفضل من أي شخص آخر, وإذا كانت المشكلة تحتاج لتدخل أحد من الخارج لتقريب وجهات النظر فليكن ذلك مع شخصية ناضجة روحياً وفي أضيق الحدود مع مراعاة الكتمان, وقبل أن يتدخل أي شخص يجب أن يتدخل الرب أولاً من خلال الصلاة لكي يكون الحوار بين الطرفين مثمراً. النمو الروحي في الزواج لكي نغطي كل الجوانب الهامة في حياة الزوجين, لا يجب أن نظن أن النمو الروحي أمر منفصل عن الجوانب الأخرى, بالعكس: فإن حياتنا في المسيح تتدخل في كل أفكارنا وأعمالنا. ونحن نحتاج أن نوفر لله القنوات التي يعمل من خلالها في حياتنا كل يوم. و قد وجد أن هناك ثلاث قنوات هامة هي:
الخلوة الفردية, الصلاة العائلية, الاندماج في الكنيسة, وكما أن كل من الزوجين يحتاج إلى الصداقات الشخصية, بعد الزواج, فإننا كذلك نحتاج إلى علاقة شخصية لكل منا مع الرب. و من أهم الأمور في حياتنا الزوجية الخلوة الشخصية الهادئة, لكن المشكلة في ذلك هي استمرارية هذه الخلوة. لقد حدث التغيير عندما اقتنعنا بأن قراءة كلمة الله وصرف وقتاً في الصلاة الخاصة يوميا لهما الأولوية الأولى في حياتنا. و قد التزمنا بهذا و ساعد كل منا الآخر على تنفيذه. و أحياناً كنا نهمل في يوم, و لكننا وضعنا هذا الأمر كقاعدة أمامنا نرجع إليها, هذا يستلزم من الزوج أحياناً مساعدة الزوجة في أمور المنزل حتى تستطيع الزوجة أن تصرف وقتاً في خلوتها الشخصية, و قد وجدنا أن هذا النموذج, لم يكن مصدراً لنمونا الروحي فقط, بل مصدر قوي لنمونا كزوجين. وبالطبع فإن النمو الروحي يهم العائلة أيضاً, فقد تعلمنا أن الكلمة التي نقرأها في الصلاة العائلية تعطي المرونة والليونة, وكان علينا أن نختبر ونتعلم ونعيش ذلك, تماماً مثل عملنا, وأعمال المنزل والعناية بالأطفال, وأحياناً كان وقت الصلاة العائلية يأخذ صورة مناقشة جزء من الكتاب المقدس أثناء الطعام. وأحياناً كان أحدنا يقود الصلاة, وأحياناً كنا نصلي فقط معاً, و شعرنا في بعض الأوقات أننا نحتاج اجازة من التأمل بالطريقة التقليدية, و كان هدفنا دائماً هو أن نستغل محادثتنا لنساعد بعضنا بعضاً أن نتعلم أكثر عن الرب, وأن نطبق الكتاب المقدس في حياتنا اليومية. وبجانب النمو الشخصي والعائلي, لابدّ من الارتباط بالكنيسة المحلية إننا لا ننكر أهمية أن نكون جزءاً من عائلة المؤمنين التي في الكنيسة.
هذه بعض المبادئ التي قد تساعدك على حياة هادئة مثمرة مع شريك حياتك, نصلي إلى الرب أن تكون سبب بركة لكما.