كتاب آدم وحواء لقداسة البابا شنودة الثالث
نتائج هذه الخطايا وعقوبتها
كتاب آدم وحواء لقداسة البابا شنودة الثالث
1- اللعنة
* اللعنة لم تصب آدم وحواء لسببين:
أولا: لأن الله كان قد باركهما قبلاً (تك 1: 8) وهبات الله بلا ندامه (رو 11: 9)، ولا يرجع فيها مهما حدث. إنها لا تتوقف على أمانتنا، بقدر ما تتوقف على جوده هو وكرمة..
ثانيا: أنه لو لعن آدم وحواء، لكانت اللعنة قد أصابت الجنس البشرى كله، الموجود في صلبهما، كما لعن فيما بعد كنعان فلعن كل نسله ولا يمكن أن يلعن الجنس البشرى كله، ومنه سيأتى أنبياء وأبرار يباركهم الرب ويكونون بركة.. بل من نسل آدم سيأتى السيد المسيح – حسب الجسد – الذي سيسحق رأس الحية، وبه " تتبارك فيه جميع قبائل الأرض" (تك 22: 18).
ولكن اللعنة أصابت الحية التى أغرت حواء بأكل الثمرة. كذلك أصابت اللعنة الأرض التي تخرج ثمراً للأكل :
1-فقال الله للحية " ملعونة أنت من جميع البهائم ومن جميع وحوش البرية. على بطنك تسعين، وتراباً تأكلين كل أيام حياتك. وأضع عداوة بينك وبين المرأة، وبين نسلك ونسلها. وهو يسحق رأسك، ونلاحظ أن لعنة الحية، كانت تحمل عقوبة ضمنية للإنسان.
أصبحت هناك عداوة بينه وبين الحية، ولم توجد من قبل أية عداوة بينه وبين أحد من خليقة كلها. كما أن سلطانه على الحيوان قد إهتز، فصارت الحية تستطيع أن تسحق عقبه، وتؤذيه! وهو الذى كان ملكاً مسلطاً على كل أنواع الخليقة. وهكذا ضاع جزء من هيبته ومن سلطته..
على أن سلطان الحية قد إهتز عندما أعطانا السيد المسيح سلطاناً أن ندوس الحيات والعقارب وكل قوة العدو. وإنتهى حينما سحق المسيح رأس الحية.. وعبارة "وتراباً تأكلين كل أيام حياتك " فيها تعريض بالإنسان الذي قال له الرب في نفس المناسبة
" أنت تراب وإلى التراب تعود" (تك 4: 19)
الإنسان البار، هو صورة الله ومثاله، أما الإنسان الخاطئ فهو تراب. وكتراب يصير طعاماً للحية، أنها تأكل تراباً كل أيام حياتها.. هذا هو المعنى الرمزى كما تأمله القديس وأغسطينوس..
وفى داخل هذه العقوبة التي أوقعها الله على الحية، وضمناً على الإنسان، كان يوجد الوعد بالخلاص.
وعد بأن نسل المرأة سيسحق رأس الحية. وهذه كانت أول نبوءة عن مجئ السيد المسيح لخلاصنا
ويظهر لنا هذا الوعد حنو الله على الخطاة، ويزيده عمقاً أنه وعد بالخلاص، وعد به الله فيما هو يعاقب ويقتص من الخطية. حقاً إن عدله مملؤ رحمة، وأنه رحيم في عدله، وصفاته لا تنفصل عن بعضها البعض..
إن الله لم يلعن الإنسان، ولكنه لعن الحية التي أغوت الإنسان، كانت في لعنتها، عقوبة ضمنية للإنسان. كذلك لعن الله الأرض التي يعيش عليها الإنسان.
* وفى اللعنة التي أصابت الأرض، كانت توجد أيضاً عقوبة ضمنية موقعة على الإنسان نفسه:
كانت لعنة الأرض ضمن العقوبة التي أوقعها الله على الإنسان، إذ قال له " ملعونة الأرض بسببك. بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك. وشوكاً وحسكاً تنبت لك، حتى تعود إلى الأرض التى أخذت منها.." (تك 3: 17 –19)
بهذه اللعنة بدأت الأرض تتمرد على الإنسان، كما أصبحت الحيوانات تتمرد عليه، ممثله في الحية، هكذا فقد الإنسان هيبته، فيما كانت تعده الحية بالإلوهية!!
أول تمرد للأرض، يكمن في عبارة " بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك". الأرض المباركة، لا يتعب فيها الإنسان. أما الأرض الملعونة فتتعبه. كان آدم قبل الخطية يعمل في الجنة، ولكنه كان عملاً مريحاً، ولم يذكر الكتاب مطلقاً إنه كان يتعب في عمله، أو أنه كان يتعب ليحصل من الأرض على أكله
هذه اللعنة نجدها واضحة في قول الرب لقايين، أول إنسان لعنة الله " متى عملت الأرض، لا تعود تعطيك قوتها " (تك 4: 12).
وتمرد الأرض يظهر ايضاً فى عبارة " شوكاً وحسكاً تنبت لك".. لأول مرة نسمع عن الشوك والحسك، إذ لم يرد لهما ذكر من قبل في نباتات الأرض وحينما نظر الله إلى كل ما عمله فإذا هو حسن جداً: إن الأرض العطشانة، والمحرومة من بركة الله وخيره، يمكن أن تنتج شوكاً وحسكاً وهى تحرم من بركة الله وخيره، بسبب خطية الإنسان. لذلك قال له الله " ملعونة الأرض بسببك "
إن الإنسان البار، به تتبارك الأرض، والإنسان الخاطئ بسببه تعلن الأرض، كما ورد في سفر التثنية (تث 28).
يقول الرب لمن يحفظ وصاياه "مباركاً تكون في المدينة ومباركاً تكون في الحقل. ومباركة تكون ثمرة بطنك وثمرة أرضك.." (تث 28: 3، 4). وبعكس ذلك يقول الرب لمن لا يحفظ وصاياه " ملعوناً تكون في المدينة، وملعوناً تكون في الحقل.. ملعونة تكون ثمرة بطنك وثمرة أرضك" (تث 28: 16، 18). لما لعنت الأرض، قل خيرها، وأصبحت تنتج شوكاً وحسكاً.
وجاء المسيح الذي حمل خطايانا على الصليب، فحمل أيضاً على جبينه الشوك والحسك اللذين أنتجتهما خطية الإنسان
2- الموت-
" يوم تأكل منها موتاً تموت " (تك 2: 17).
كان الموت هو العقوبة الأساسية للخطية.
والكل قد خضع له، مات آدم وحواء، ومات كل نسلها، وسيموت النسل الذي يولد فيما بعد. ويظل الموت إلى أن ينتهى هذا العالم.
ويقول الكتاب إن " آخر عدو يبطل هو الموت" (1كو 15: 26). يحدث هذا في نهاية العالم، حينما تتغير طبيعتنا في القيامة العامة ونلبس الحياة، أو كما يقول الرسول" هذا المائت يلبس عدم موت" (1كو 15: 53). عندئذ فقط نقول له " أين شوكتك يا موت؟!".. أما قبل هذه القيامة، فتظل شوكة الموت في أجسادنا جميعاً.. نتيجة لخطيئة آدم وحواء..
* ولكن لم يكن ممكناً أن يموت أبوانا في التو واللحظة..
وإلا تكون البشرية كلها قد إنتهت وزالت، ويكون الشيطان قد أنتصر في المعركة إنتصاراً ساحقاً، ولا يكون هناك خلاص، خلاص الذي أعده الرب لآدم وبنيه..
لذلك تأجل هذا الموت إلى حين، ريثما تلد حواء بنين وتربيهم. لأنه فيما بعد سيأتى من نسل المرأة من يسحق رأس الحية، ويطلب ويخلص ما قد هلك.
* ومع تأجيل هذا الموت الجسدى، كانت هناك أنواع أخرى من الموت، تم بعضها في التو واللحظة
هناك الموت الروحى، وكما قال القديس أوغسطينوس [موت الجسد هو إنفصال الروح عن الجسد. أما موت الروح، يفهو إنفصال الروح عن الله]..
ولهذا أعتبر الكتاب أن الخطية موت، فقال الآب عن إبنه الضال " إبنى كان ميتاً فعاش" (لو 15: 24) . وقال الرب لملاك كنيسة ساردس " إن لك إسماً إنك حى، وأنت ميت" (رؤ3: 1) . فالخطية موت روحى، لأنها تفصل الإنسان عن الله، لأنه لا شركة للظلمة مع النور..
* وآدم وحواء قد ماتا هذا الموت الروحى يوم أكلا من الشجرة، وماتا أيضاً موتاً آخر أدبياً:
في هذا الموت الأدبى، ضاعت كرامة هذا الإنسان الأول، وفقد الحالة الفائقة للطبيعة التي خلق عليها كما سنشرح في النقاط المقبلة.. وأكبر تعبير على هذا الموت الأدبى، أن الله طرده من الجنة. وعبارة " طرد" تعنى كثيراً من جهة الموتين الأدبى والروحى. على أنه من جهة هذين الموتين، ظل الله يعمل عملية إقامة من الأموات بالنسبة إلى آدم وبنيه، لكى يرجعهم إلى رتبهم الأولى، ولكى تتم مصالحة بينهم وبين الله. ولكن الأمر كان يتوقف على مدى الإستجابة الفردية لعمل النعمة في كل إنسان على حدة..
* بقى الموت الأبدى، وهو أخطر ما حكم الموت: وهو الذي خلصنا منه المسيح بالفداء، حين مات عنا.
ولكن آدم وحواء وبنيهما جميعاً، ظلوا تحت حكم الموت في كل العصور السابقة للفداء. وكان كل الذين يموتون، يذهبون إلى الجحيم. والمؤمنون منهم، الراقدون على الرجاء، يرتلون مع داود " أنك لا تترك نفسى في الجحيم، ولا تدع قدوسك يرى فساداً" (مز 15: 10)
ولأن الخطية حرمت الإنسان من الحياة، وأوقعته في الموت، لذلك رأينا أمراً خطيراً قد صدر من الله " وأقام شرقى جنة عدن الكاروبيم، ولهيب سيف متقلب حراسة طريق شجرة الحياة" (تك 3: 24)
3- فقدان الصورة الإلهية
في حالة البر الأولى، كان آدم على صورة الله، ومثاله، كما قال الله "نخلق إنساننا كشبهنا". أما فى حالة السقوط، فقد فقد الإنسان هذه الصورة الإلهية.
وفساد الطبيعة البشرية، الذى سنتحدث عنه في النقاط التالية، لم يعد يتفق مع الصورة الإلهية التي كانت له يوم خلق.
ولهذا نجد الله يخاطبه آخرى تتفق وصورته في الخطية، فيقول له " لأنك تراب، وإلى التراب تعود " كان صورة الله، فأصبح تراباً.
4-فساد الطبيعة البشرية
فقدت الطبيعة البشرية نقاوتها الأولى، وبساطتها الأولى، وعرفت الخطيئة، وأختبرتها، ودخلت في ثنائية معرفة الخير والشر، وفى الصراع بين الجسد والروح، وهبطت إلى المستوى الجسدى أحياناً كثيرة. اصبح من السهل أن نخطئ..
وقد رأينا فيما بعد، كيف إنهارت هذه الطبيعة البشرية، وإنحدرت إلى مستويات مؤسفة، وتوارثت ألوانا من الفساد، إلى أن وصلت إلى محبة الخطية، وإلى العبودية لها، وإلى إنكار الله، الجهل به.
وفقد آدم وحواء هيبتهما، سلطتهما على الطبيعة، وعلى الحيوان، فتمردت عليهما الأرض، وصارت تنبت لهما شوكاً وحسكاً، وتمرد عليهما الحيوان، وقامت عداوة معه..
وظهر فساد الطبيعة البشرية أيضاً في إنحلالها، في تعب الجسد وتعب النفس، وستبقى في هذا الفساد إلى يوم القيامة حين "يلبس الفاسد عدم فساد" (1كو 15: 54)
5- تعب النفس
لأول مرة نسمع عن أمراض النفس: نسمع في قصة آدم وحواء عن الشهوة، وعن الخوف، وعن الخجل "أى الخزى"، ثم عن معرفة آدم لحواء.. وعن سائر تعب الروح الذي ذكرناه في تحليل خطاياهما .
وكل هذه كانت بداية، إلى أن نسمع في قصة قايين، في حياة أبوية آدم وحواء، عن الحسد والغضب والقتل، وعن القلق والرعب وفقدان السلام الداخلى (تك4).
وبدا أن أمراض النفس والروح قد أخذت تزداد، كمظهر من مظاهر فساد الطبيعة البشرية.
6- تعب الجسد-
أصبح آدم يأكل خبزه بعرق جبينه.
يعمل في الأرض وبالتعب يأكل منها كل أيامه..
وأصبحت حواء بالوجع تلد أولاداً، كما قال لها الرب:
"تكثيرا أكثر أتعاب حبلك" (تك 3: 16).
وثمة تعب آخر، هو شهوات الجسد وغرائزه، إشتياقائه..
وقبل الخطيئة، لم يكن هناك تعب، ولا وجع..
وما هذا كله إلا مظهر آخر لفساد الطبيعة البشرية.
وبدا أن الحية لم تصدق في خداعها.
فبدلاً من إرتقاء الإنسان ليصير مثل الله..
وإنحدر إلى أسفل.
وكان إنحدار آدم وحواء، هو "مبتدأ الأوجاع".
ولم يعد هناك من حل، سوى إنتظار الخلاص الذي يأتى به المسيح،
حيث ينضح علينا بزوفاه فنظهر ويغسلنا أكثر من الثلج، ويمنحنا بهجة خلاصه (مز 50).
منقول من موقع الأنبا تكلا