بعدما تكلمنا فى الجزء الاول عن مصر
وتكلمنا عن عبودية اليهود
وتكلمنا عن وعد الله بانقاذ شعبة
اليوم سنكمل الحديث
الخروج من مصر
الخروج من مصر والتمتع بعهد عملي للراحة
شتّان ما بين العمل بالسُخرة تحت يد إبليس (فرعون) العنيفة التي لا تعرف الرحمة، والخروج إلى العمل حسب العهد الإلهي واهب الراحة. فالخروج من مصر حمل مفهومًا جديدًا للراحة، إلا وهو العمل في دائرة الرب وبروحه ولحسابه.
غاية هذا العهد أن ُيخرجهم كما من كور مصر، من وسط النيران ليدخل بهم إلى ندى راحته. عتقهم من المسخرين العنفاء، لا ليعيشوا في رخاوة بلا عملٍ، إنما لينالوا بركة العمل. بمعنى آخر خرجوا من كور المسخرين ليقبلوا العمل لحساب الله حسب إرادته، لا كثقلٍ يلتزمون به كرهًا، بل بركة من قبل الله. إذ يقول: "واعملوا به حسب كل ما آمركم به" (إر4:11)... يستبدل عمل السخرة المرّ بالعمل لحساب الله الممتع!
جاء في إرميا: "كلام هذا العهد الذي أمرت به آباءكم يوم أخرجتهم من أرض مصر من كور الحديد، قائلًا: اسمعوا صوتي" (إر4:11، 5). كور الحديد هي فرن ترتفع فيها الحرارة جدًا لصهر الحديد، الأمر الذي لا تحتاج إليه كثير من المعادن. بينما يُمكن صهر النحاس في درجة حرارة 800 ف، لا ُيصهر الحديد إلا عند درجة 1535 ف. يشبه خروجهم من مصر كمن يخرج من النار، من كور الحديد، لا ليعيِّرهم بأنه خلصهم من النار، وإنما بعد إخراجهم يطلب الدخول معهم في العهد. كأن الله لا يستغل ضيقتهم ليأمر وينهى، وإنما ليدخل معهم خلال الحوار الودي في عهد أبوي مملوء حبًا. في هذا العهد يقدم نفسه إلهًا منسوبًا لأولاده: "فتكونوا لي شعبًا، وأنا أكون لهم إلهًا" (إر4:11).
* ما دامت مصر هي كور حديد (إر4:11، تث 20:4)، فهي تشير رمزيًا إلى كل مجالٍ أرضى.
يليق بكل من يهرب من شر الحياة البشرية دون أن يحترق بالخطية أو يمتلئ قلبه بالنار ككورٍ أن يقدم تشكرات ليس بأقل من الذين ُيختبرون بالنار [3] كندى [4].
العلامة أوريجينوس
عند خروج الشعب من مصر قدم الله لشعبه عهدًا خلاله يتمتعون بالراحة، وذلك بتحولهم من العمل لحساب فرعون إلى العمل لحساب ملكوته على الأرض. أما عند خروجنا خلال الصليب فقد قدم لنا الرب عهدًا جديدًا سجله بدمه الإلهي منقوشًا في جسده الطاهر، لنتمتع براحة أعظم، حيث يصير لنا حق الدخول إلى السماء، والشركة مع السمائيين في أعمالهم وتسابيحهم.
* قال الله بوضوح (خلال أنبيائه) أن شرائع موسى (الطقسية) تنتهي وتقوم شريعة جديدة يقدمها المسيح: "ها أيام تأتى يقول الرب وأقطع مع بيت إسرائيل ومع بيت يهوذا عهدًا جديدًا، ليس كالعهد الذي قطعته مع آبائهم يوم أمسكتهم بيدهم لأخرجهم من أرض مصر حين نقضوا عهدي فرفضتهم يقول الرب" (إر31:31،32)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. لقد وعد بعهد جديد، وكما قال الحكيم بولس: "فإذ قال جديدًا عتق الأول، وأما ما عتق وشاخ فهو قريب من الاضمحلال" (عب 13:8). فإذ شاخ القديم كان بالضرورة أن يحتل الجديد موضعه، وقد تحقق هذا لا بواسطة أحد الأنبياء القديسين بل بالأحرى بواسطة رب الأنبياء
وللحديث بقية
سنكملها معا ابتداء من غد
لنصل لعنوان سلسلتنا باذن الرب