romany المدير العام
عدد المساهمات : 5217 نقاط : 70760 السٌّمعَة : 1 تاريخ التسجيل : 03/06/2009 الموقع : منتدى قلب يسوع
| موضوع: مقال جريدة الاهرام | حين لجأت الدولة للكنيسة! الأربعاء أكتوبر 17, 2012 4:07 pm | |
| حين لجأت الدولة للكنيسة!2012-10-17 07:03:38 حين لجأت الدولة للكنيسة!
بقلم: أحمد عبد المعطي حجازي قلت في مقالة الأربعاء الماضي إن الوحدةالوطنية ثقافة حديثة لم تكن متاحة لنا من قبل, لأن الوحدة الوطنية هي صورة الانتماء الوطني الذي يجمع بيننا, وتقوم عليه الدول في هذا العصر الحديث. وهو يختلف عن الانتماء الديني الذي كانت تقوم عليه الدول في العصور الوسطي. وكما أن الوحدة الوطنية ثقافة حديثة, فالفتنة الطائفية ثقافة قديمة وهي الآن ثقافة مضادة تتشبث بما نختلف فيه, ولاتهتم بما نتفق حوله, وتقدم ما يتغير ويتحول علي ما يبقي ثابتا أبد الدهر. لقد غيرنا عقيدتنا الدينية ثلاث مرات وبقينا مصريين. وهذه حقيقة لايلتفت لها الكثيرون من المصريين الذين قصرت الدولة دائما في تعليمهم فتولي تربيتهم شيوخ الزوايا وجماعات الاسلام السياسي ونجوم الافتاء الجدد الذين ينظرون لتاريخ مصر السابق علي الفتح العربي وكأنه جاهلية اخري لاتختلف عن جاهلة العرب التي سبقت ظهور الاسلام. ولهذا يتجاهلونه ويسقطونه من حسابهم كأنه لم يكن. وكأن تاريخنا لم يبدأ الا بدخول العرب مصر. بل هم يتجاهلون المرحلة الطويلة التي تلت الفتح ولم يكن فيها العرب المسلمون ومن اعتنق الاسلام من المصريين الا اقلية عاشت مايقرب من اربعة قرون إلي جانب الاكثرية المسيحية التي بقيت علي دينها, وإن ظلت تتناقص طوال القرون العشرة الماضية حتي صارت أقلية. ولا شك أن المسيحيين تمتعوا في الدول الاسلامية بقدر من التسامح لم تتمتع به الاقيات الدينية في دول اوروبا المسيحية, لكن هذا التسامح لم يصل الي حد مساواتهم بالمسلمين, ولم يمنع من التضييق عليهم بصور مختلفة ألجأت البعض لاعتناق دين الحكام, ودفعت البعض للثورة التي قمعت بعنف شديد انكر معه المصريون انفسهم وتبرأوا من تاريخهم واصبحوا ينظرون اليه بعيون عبرانية, فهم يشتمون الفراعنة جميعا لأن أحدهم طرد بني إسرائيل من مصر! وبما أن مصر القديمة قد سقطت من الذاكرة المصرية, وأصبح الفتح العربي هو بداية التاريخ عند كثير من المصريين فهم ينظرون الي انفسهم وكأنهم كانوا دائما كما هم الآن: أكثرية تنتمي لما بعد الفتح, وأقلية تنتمي لما قبله! أقول إن هذه تصورات خرافية تسببت فيها الامية واملاها الجهل والتعصب. فالتاريخ المصري بدأ قبل ظهور الاسلام بخمسة آلاف عام علي الاقل. ومصر كانت دولة قوية موحدة منظمة منذ الألف الرابع قبل الميلاد. والمصريون طوال هذا التاريخ شعب متحضر, بل هو الذي وضع أساس الحضارة البشرية. وقد عرف المصريون للدين مكانه, وعرفوا الوحدانية, وقدسوا الخير والعدل والحق والجمال, وآمنوا بالروح والبعث والثواب والعقاب. فاذا انتقلنا الي العصر المسيحي الذي امتد من القرن الميلادي الأول الي القرن العاشر أو الحادي عشر فسوف نجده استمرارا وتطورا منطقيا لما سبقه. المصريون رأوا في المسيحية تعبيرا جديدا عن القيم التي ورثوها من آبائهم الفراعنة فاعتنقوها وذهبوا في فهمهم لها مذهبا مصريا خاصا بهم يختلف عن مذهب روما الكاثوليكية وبيزنطة الملكانية. وقد تمثل هذا المذهب في عقيدة التوحيد. فالمسيح بالنسبة للكنيسة المصرية طبيعة واحدة لاينفصل فيها اللاهوت عن الناسوت. هذا الايمان بالتوحيد لم يكن مجرد اجتهاد ديني, وإنما كان الي جانب هذا نضالا وطنيا دافع فيه المصريون عن حريتهم واستقلال بلادهم الذي قضي عليه الغزاة الاجانب فلم يبق لمصر إلا استقلالها الفكري ودولتها الروحية التي تمثلت في الكنيسة القبطية المستقلة. لقد لجأت الدولة للكنيسة. ولقد كان اختيار البابا المصري عيدا وطنيا يعلن فيه المصريون ان دولتهم مازالت قائمة. وكما كانت المسيحية المصرية امتدادا لحضارتنا السابقة كان الاسلام المصري امتدادا لما سبقه. فالمصريون الذين اعتنقوا الاسلام هم انفهسم الذين اعتنقوا المسيحية من قبل, وهم انفهسم الذين كانوا يصلون لايزيس وأوزوريس.وسوف أعود في مقالة قادمة لأتحدث بشيء من التفصيل عما قدمته مصر للمسيحية والاسلام. وهناك من يظن ان المسلمين المصريين الحاليين هم ابناء الفاتحين العرب, اما الاقباط المسيحيون فهم وحدهم ورثة المصريين القدماء. وهذه خرافة من الخرافات التي يصدقها المغلوبون في بعض الاحيان فينسبون انفهسم للغالبين. وقد حفظ لنا التاريخ قصص بعض الاقباط الاغنياء الذين اعتنقوا الاسلام ثم رشوا بعض القضاة ليشهدوا بأنهم عرب ينتمون لإحدي القبائل العربية. وربما قصصت عليكم احدي هذه القصص بشئ من التفصيل في حديث آخر. لقد دخل عمرو بن العاص مصر بجيش لم يزد علي اربعة آلاف مقاتل استطاع به ان يسيطر علي البلاد مستفيدا مما كان بين المصريين والمحتلين البيزنطيين من عداء حال دون ان يساعد المصريون حكامهم البيزنطيين رغم انهم مسيحيون مثلهم. والمصريون في ذلك الوقت نحو ثمانية ملايين كان باستطاعتهم ان يقفوا بقوة في وجه العرب, لكنهم لم يفعلوا لأنهم ضاقوا ذرعا بالبيزنطيين, ولانهم وجدوا قائد الجيش العربي عمرو بن العاص يتصرف مع الكنيسة المصرية باعتدال واحترام. كيف أصبحت هذه الآلاف القليلة من العرب المسلمين الذين فتحوا مصر اغلبية؟ والاجابة بكل بساطة هي ان المسلمين اصبحوا أغلبية في مصر لان غالبية المصريين تحولوا من المسيحية الي الاسلام. وبعد ان غيروا دينهم غيروا لغتهم القبطية, فاصبحت العربية لغة الاغلبية. حتي اذا وصلنا للقرن السادس عشر انقطع الكلام باللغة القبطية في القري النائية التي كانت لاتزال تتكلمها, وأصبحت العربية لغة المصريين جميعا مسلمين ومسيحيين. بينما حافظ النوبيون المصريون علي لغتهم بفضل بعدهم عن مراكز السلطة العربية وتأخر دخولهم في الاسلام. باختصار, المسلمون المصريون هم المسيحيون المصريون, والمسيحيون هم المسلمون. وهذه هي الحقيقة الثابتة التي ينبغي علي المصريين جميعا ان يعرفوها ويفهموها ويعتزوا بها ويؤسسوا عليها ثقافتهم الوطنية التي آن لها ان تحل محل الخرافات الموروثة, وما تثيره من فتنة وانقسام.
| |
|