فتح الليل أبواب مملكته ورشّ على وجه المسكونة رذاذ الأحلام....لقد جُنّ البشر. سرت القشعريرة في جسدي واستيقظت في نفسي رغبة واحدة : كانت تود أن يكون صباحها مختلفاً... قالت لي :
لا أدري كم ليلة تفصلني عن ذلك الصباح... فأنا أخشى أن تبتلعني عتمة ليل لا قرار له. اليوم سيحلو لي السهر على شرفة أسطر لأثمن كتاب, أطل من خلالها على خيوط النور التي فقدتها منذ زمن بعيد...صمتت قليلاً ثم أخرجت من محفظة الزمان دفترا متهرئاً عبثت به السنون والأيام, وقالت لي:
أنظر أيها البائس ماذا خطت يداك ! وأي أفكار بحت بها على هذه الأسطر, لاتقل كم كانت هذه الأفكار ثقيلة على هذه الأسطر الرقيقة ولا تقل كم شوهت رداءة خطك هذه الصفحات البيضاء ...أنظر إلى رداءة أفعالك إلى غلاظة قلبك وسواد أفكارك .
كانت تتلو على مسامعي كل لحظة عشتها في كنف الخطيئة :
كم من الوقت أهدرت في اهتمامي بجسدي ... انقدت وراء رغباته وشهواته فسلمت هيكل الروح لكاهنات معبد عشتار.
امتلأ بالحقد صدري ومن فمي خرجت أقبح الألفاظ وفي عروقي كان يسري دم قايين...
كنت ألهث وراء الشهرة والمال وكنت الآمر والناهي وحولي جيش من الخدّام ..
ولا أستطيع أن أحصي كم من الفضة وكم من رؤوس البشر قدم لي على أطباق من الذهب ...
تهت في دروب الحياة : سرقة , غش , فجور وفسق , مخدرات, قتل , نميمة وافتراء... تهت في دائرة الأصدقاء الذين أفسحوا لي مجال الخطيئة ... تعددت الدروب والموت واحد...
غمر الحزن نفسي ... ضاعت معالم الطريق واختلطت جميع الأوراق .
ثم تابعت قائلة :
ماذا عن عبادتك التي صارت روتينية ؟ افتح الكتاب واقرأ عن المجدلية و أصغ إلى الابن الشاطر, تأمل في الخروف الضال والدرهم الضائع ... ستجد كيف تنوعت دروب التوبة على صفحات الكتاب المقدس... اتبع هذه الدروب... ستوصلك إلى الحياة الأبدية لكن عليك أن تبدأها من هنا على هذه الأرض.
واصل السير فهو معك, الرب يسند ضعفنا فليس بأحد غيره الخلاص ,لكن لا تتلفت ولا تؤجل توبتك ! فلا تعلم أي الجاهل في أي ليلة تتطلب منك نفسك ! أهرب إلى جبل الصلاة وستشهد فجراً تتوق لرؤيته الخليقة منذ دهور...
ها قد بدأتُ السير ونفسي ترنم