اكتب اليكم جميعاً وانا فى غاية الدمار مما وصلت اليه , فلم اجد سبيل الا الكتابة على الملاً , لربما اجد مخرجاً مما انا فيه , لن اطيل عليكم ولكننى اكتب اليكم وانا ادرك تماماً ان هناك من سيشفق على و ومن سيتعجب , وربما من ستدمع عيناه مما سيقرأ , ولكن هذه قصة عمرى التى لا يمكن ان انساها ابداً .
انا اسمى سامح , عندى 37 سنة , ولدت من أب و ام لم يعرفا للحب معنى , فكانت حياتى دمار , كانت معاملتهم قاسية جداً بالنسبة لى , لدرجة انهم كانوا يجعلوننى انام دائماً على الارض , ولم اتذوق طعم نوم السرير الا من فترة قصيرة جدا , الوحيد الذى شعرت بحبه لى هو جدى , والد والدتى , والذى كان دائم الصراخ معهم لمعاملتهم لى , ولكن الرد كان دائماً , وانت مالك , ولم يقوى عليهم ابداً , مرت الايام و رزقت بأخت , ولكن كانت المعاملة معها على النقيض تماماً , كل الحب و كل الحنان و كل الاشياء الجميلة لها هى دائماً , اما انا , فالكلب الذى يسير فى الشارع حاله افضل منى بكثير ,مرت الايام و الليالى الموحشة , ووصلت للمرحلة الصانوية , كنت متفوقاً جداً لدرجة اننى حصلت على 94% دون دروس خصوصية او اى شئ , وكانت امنية عمرى ان ادخل كلية الطب , ولكننى لم يحالفنى الحظ , فهى ارادة الله وانا خاضع لها , وقتها قلت لهم لماذا لا تدخلوننى اى جامعة خاصة ( لأن الحالة المادية لهم كانت تسمح بذلك ) , فقالوا لى : انت مجنون ؟؟؟؟ الجامعات الخاصة لها ناسها , ولكى يدمروننى اكثر و اكثر , اخذ والدى استمارة الرغبات و كتب فى الرغبة الاولى : كلية التجارة جامعة عين شمس , وطبعاً اتت لى كلية التجارة , ودخلت الكلية مرغوماً لا حول لى ولا قوة , وفى الجامعة , وكأن القدر يرسم الى جرحاً أخر , تعرفت على فتاة كانت مثل الملاك كانت علاقتى بها لا مثيل لها فى العالم كله , عرفت عنها كل شئ و عرفت عنى كل شئ ايضاً , كنت اعشقها بجنون لم يعرفه احد من قبل , لدرجة اننى فى يوم ذهبت الى بيتها , وتكلمت مع والدها ووالدتها , وقلت لهما انها مسئولة منى مسئولية تامة , وترجيتهم ان يعتبروا هذا اختبار لى لمعرفة مدى قدرتى و امكانية ان احافظ على ابنتهم , وشرحت لهما كل ظروفى بالتفصيل , واعجب والدها بى جداً , وربما احسست منه هو ووالدتها بإحساس الاهل الذى افتقدته فى منزلى , كما قلت لكم عشت معها اجمل سنين عمرى , بل هى سنين عمرى الوحيدة التى عشتها تقريباً , فباقى عمرى احياه كميت , كنت اعمل فى الفترة المسائية , وفى الصباح احضر المحاضرات , وايام الاجازة كنت اذاكر , كانت حياتى كلها لها هدف واحد وهو الارتباط الجادى و الصادق بهذه الفتاة , وفى الفصل الدراسى الثانى للفرقة الثالثة بالكلية , حدث مالم نتوقعه جميعاً , فأنا من شدة خوفى عليها كنت يومياً اذهب الى بيتها صباحاً كى اصطحبها معى الى الجامعة , واعيدها الى البيت فى اخر اليوم بعد انتهاء المحاضرات , وفى يوم من الايام , خرجنا من الجامعة كالعادة , وفى طريقنا لعبور الشارع , اتى ميكروباص مسرع جداً , وصدمنا سوياً , ولكنها هى التى تأثرت اكثر بالصدمة , فتطايرت فى الهواء ونزلت على الرصيف المقابل , اما انا فكسرت ساقى فقط , فزحفت على الشارع كى اصل اليها , وعند وصولى لها وجدتها غارقة فى دماء وجهها , وقالت لى كلمتان : ( احضنى اوى ) , وعندما اخذتها فى حضنى , لفظت انفاسها الاخيرة بين زراعى و فى داخل احضانى , كانت لحظات مميتة جدا , لم اعش مثلها من قبل , كانت صدمة عمرى ,وليشهد الله اننى عشت اياماً سوداء فى حياتى لم يحياها احد مثلى , ومرت الايام بعد ذلك و تخرجت , كنت فى غاية الحزن و المرارة التى لم يشعر بها الا من يعرف مدى عمق الالم الذى اتحدث عنه , وبدأت ابحث عن عمل وانا ضائع الأمل , حتى وجدت عملاً فى محطة بنزين ,وبدأت اعمل ولم اقل الا الحمد لله , ومرت الايام الى ان دخلت اختى المرحلة الثانوية , وعند وصولها للثانوية العامة , كان افضل المدرسون يأتون اليها لإعطائها درساً خصوصيا ً فى جيع المواد , وكانت النتيجة فى نهاية العام 74% , وكانت الصدمة فى البيت بأكمله , لأنها كانت تريد كلية الصيدلة , فما من ابى و امى الا انهما قالا لها : ولا يهمك يا حبيبتى , امال الجامعات الخاصة اتعملت لمين ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ !!!!!!!!! , ودخلت اختى كلية الصيدلة جامعة مصر الدولية , وعند تخرجها منها , قام والدى بعمل حفل ضخم فى احد محلات الحلوى المشهورة ودعا الى الحفل كل من الاهل و الاصدقاء و كأنه حفل خطوبة , وليس حفل تخرج , وفى اثناء الحفل , اتى والدى و اخبرنى بأننى لابد من ان اترك العمل , لأنه غير مناسب , وهناك عريس متقدم للدكتورة وطبعاً انا ما اشرفش حد , على حد تعبيره , فقلت له انا فى حالى و انتوا فى حالكم , قال لى لأ لازم تترك الشغل لأن انا جبت لك شغل , فقلت له ياااااااه , اول مرة حد يفكر فيا , فين الشغل دة , فرد : فى السويس , هاتشتغل محاسب فى شركة هناك , قلت له سويس ؟؟؟؟؟ غربة ؟؟؟؟؟؟؟؟ طب اعيش ازاى وانا مش بأعرف اعمل لنفسى اى شئ , قال لى : ما هو انت هاتتزوج و هايعطوك بدل سكن هناك , قلت له اتزوج ؟؟؟؟ استحالة اتزوج بعد فلانة , فقال لى بلاش كلام فارغ , انا اعطيت كلمة لعمك خلاص و انتهى الموضوع , هو طبعاً حسبها كالأتى : ( اعيش فى السويس يعنى هابعد عنهم , وهايعطونى بدل سكن يعنى مافيش شقة فى القاهرة وهو مش هايتكلف اى شئ , واتزوج بنت عمى فهى من طوعهم ون تخرج عنه ابداً , هكذا حسبها والدى ) , وتزوجت رغم عنى وسافرت السويس , وباللغة العامية اسمحوا لى ان اقول لكم اننى سفيت التراب هناك فى اول عامان , الى ان تمكنت من توفير شقة ايجار ببدل السكن الذى أخذه , واصطحبت زوجتى معى , وكان كل ما يربطنى بها الاكليل الذى تم فى الكنيسة امام المذبح , ولا اكثر و لا اقل , عشت معها اياماً لا توصف من صعوبتها , هى فى وادى وانا فى وادى أخر , كنت انتظر الليل كى يأتى لكى اغمض عينى و احلم بحبيبة عمرى التى تركتنى وحيداً فى هذه الدنيا , اعلم تماماً ان هذا خطأ لأننى اصبحت متزوج , ولكننى انسان ولست ماكينة , فلن أضغط على الزر لكى احب فلانة و اكره او انسى فلانة , هذا مستحيل , وظلت حياتى هكذا حتى رزقنى الله بطفل , هو كل دنيتى الان , وكبر ابنى ودخل المدرسة فى القاهرة , فأصبحت حياتى كالأتى : فى الاجازة ابنى و زوجتى معى فى السويس , نحيا كما ذكرت كل منا فى واد لا يوجد اى اتفاق او تفاهم بيننا , كل منا يحاول ان يفعل الافضل كى يسعد الولد , فهذا هو الشئ الوحيد الذى نتفق عليه , اما فى الدراسة فهى مع ابنى فى القاهرة , عند والدى ووالدتى , وانا هنا وحيداً لا احد يدرى بى ولا احد يشعر بى , ظللت هكذا حتى هذه اللحظة التى اكتب لكم فيها , فأنا هنا فى السويس احتضر من الالم النفسى الذى يحاصرنى بكل قوته , فهذا حالى منذ عشر سنوات , وحيداً و غريباً و تائهاً فى هذه الدنيا التى سقتنى من العذاب الوان , اكتب اليكم لأننى احتاجكم جميعاً , فأنا وحيد كما قلت , لا اخ ولا صديق ولا قلب ارتمى بداخله عند شعورة المستمر بالوحدة القاتلة و الحاجة الشديدة الى الحنان , انا فعلاً احتصر و بشدة , واتمناها من الله اليوم قبل غداً ان يسترد وديعته , اعلم انى انسان خاطى بدرجة لا توصف , ولكننى واثق تماماً فى رحمة ربنا التى تشمل كل شئ , هذا هو حالى , وهذا هو ما امسى و اصبح عليه .