بعدما تكلمنا فى الجزء السابق عن دعوة اللة لابراهيم وهى كانت مقابلة اللة الاولى
اليوم سنتكلم عن مباركة اللة لابراهيم وهى المقابلة الثانية لة
الله يدخل فى عهد مع إبراهيم :
فى ( تك 15 : 7، 8 ) نرى الله يؤكد وعده لأبراهيم " أنا الرب الذى أخرجك من أور االكلدانيين ليعطيك هذه الأرض لترثها " فكان تعليق إبراهيم على ذلك " أيها السيد الرب بماذا أعلم أنى أرثها " ليس هذا شكا بل هو طلب إيضاح من الله على نحو ما فعلت العذراء مريم وسألت الملاك " كيف يكون لى هذا ...... " .
اعتاد القدماء احيانا ان يقطعوا عهودهم على ذبيحة يشقونها نصفين، ويجوز كل طرف بين الشقين، وكأنه يقبل أن يشقه الله مثل الذبيحة إذا خان العهد .... وهكذا قطع الله عهده مع ابراهيم بهذه الصورة المألوفة، ونلاحظ هنا أن ( العجلة والعنزة والكبش – واليمام والحمام ) من الحيوانات والطيور التى كانت تقدم ذبائح فى العهد القديم،
وتلك الحيوانات من الحيوانات الطاهره التى كان مسموحا للانسان بأكلها، واختيار تلك الفصائل المعينة من الحيوانات الطاهرة كذبائح لأنها من الحيوانات التى تخدم الأنسان، إشارة للسيد المسيح الذى جاء ليخِدم لا لُيُخدم كما أن اختيار فصائل من الطيور كاليمام والحمام – كذبائح – وليس كل الطيور الطاهرة كالبط والأوز والرومى مثلا، لأن الاولى لها القدرة على الطيران...، ( وهى ترمز إلى السمو الروحى ) فى حياة الخادم .
+ من سياق الكلام نرى أن أمر الذبائح الدموية كان أمرا معروفا لإبراهيم، ولم يكن بحاجة إلى أن يعرفه الله بتفاصيله ...كان أمرا معروفا بالتقليد مثل موضوع العشور .
+ اختيار ثلاثة حيوانات وتكون ثلاثية ( عمرها 3 سنوات ) حتى ما تكون كاملة النمو، لان هذا أمر يليق بالله الكامل، كما يشير إلى كمال العهد وأهميته ... وهو يشير أيضا إلى الثالوث القدوس .
+ نلاحظ أهمية الدم فى العهد الذى قطعه الله مع إبراهيم .... فحينما سأل إبراهيم الله عن الأرض " بماذا أعلم أنى أرثها " كان أمر الله له بهذه الذبائح، وهكذا نفهم أننا نرث الأرض الجديدة التى يسكن فيها البر عن طريق الدم والذبيحة ( المسيح ) - وفى عهود أخرى بين الله والأنسان مثل ( عملية الختان ) فيها إسالة للدم .
+ كانت الطيور الجارحة تنزل على جثث الذبائح، لكن ابراهيم كان يزجرها، وهذه الجوارح ترمز للشياطين، وهكذا ينبغى أن نحفظ الذبائح الروحية التى نقدمها لله من اقتراب الشياطين منها، ومن الأفكار الشريرة .
نسل إبراهيم :
أورد الرب تشبيهين لنسل إبراهيم : الأول فى ( تك 13 : 16 ) " واجعل نسلك كتراب الأرض ...... " والثانى فى ( تك 15 : 5 ) "... وقال أنظر الى السماء وعد النجوم إن استطعت أن تعدها . وقال له هكذا يكون نسلك "
التشبيهان هما تراب الأرض، ونجوم السماء ... أبناء إبراهيم حسب الجسد كتراب الأرض، لكن نسله الروحى كنجوم السماء . ليسوا فقط عديدين بل ممجدين ومضيئين ومرتفعين كنجوم السماء ،-" لهم التبنى والمجد والعهود والاشتراع والعبادة والمواعيد، ولهم الآباء ومنهم المسيح حسب الجسد، الكائن على الكل إلها مباركا، الى الأبد آمين " ( رو 9 : 4، 5 ) .
الله ينبىء إبراهيم بما سيحل بنسله :
وقال الله لأبراهيم " اعلم يقينا أن نسلك سيكون غريبا فى أرض ليست لهم، فيذلونهم أربعمائة سنة .... وبعد ذلك يخرجون بأملاك جزيلة " ( تك 15 : 13، 14 ) .
+ الله تحدث اولا عن الضيقة ثم بعدها الفرج – التعب ثم الراحة - ....هذا هو طريق الله : نتألم ثم نملك، العبودية ثم الحرية، أى عبودية الخطية ثم حرية مجد أولاد الله ....
+ وبعد أن تحدث الرب عن غربة نسل إبراهيم واستعبادهم واذلالهم يقول " ثم الامة التى يستعبدون لها أنا أدينها " ( تك 15 : 14 ) ...وهنا نرى نعمة الله لأولاده :
· كأفراد ...." لى النقمة أنا أجازى يقول الرب " ( رو 12 : 19 ؛ عب 10 : 30 ) .
· ككنيسة .....والأمثلة على ذلك لا تحصى .... فى الماضى والحاضر ....أن الله يكفكف دموع المؤمنين النائحين، أما الذين جدفوا على اللاهوت، فقد طرحهم لاسفل، قد يتأنى الله فى العقاب ولكنه يختار الوقت المناسب .
+ يرى الآباء أن ال 400 سنة تمثل أربعة أجيال : الجيل الأول هو عصر ماقبل الناموس، والجيل الثانى هو عصر الناموس ( الشريعة )، والجيل الثالث هو عصر الأنبياء، والجيل الرابع هو عصر السيد المسيح، وحينما يقول: "وفى الجيل الرابع يرجعون إلى ههنا " يعنى أن الجنس البشرى – الذى يرمز إليه نسل إبراهيم – يرجع إلى السماء بالمسيح وفى عصره .
الرؤيا التى رآها إبراهيم :
" ثم غابت الشمس فصارت العتمة، وإذ تنور دخان، ومصباح نار ( متقد ) يجوز بين تلك القطع " (تك 15 : 17 ) .
· تنور الدخان ...يشير إلى ما سيحل بنسل إبراهيم من اضطهادات فى مصر .
· مصباح النار المتقد ...يشير إلى وجود الله الدائم وسط شعبه ؛ فى الضيقات والآلام .
· مصباح النار المتقد ( بمفرده ) – يجوز بين القطع ؛ اشارة إلى تحمل الله لمسئولية تنفبذ الميثاق مع البشر لوحده، وهكذا كانت مصالحتنا مع الله بموت المسيح، كان إنعاما من جانب الله نحو الأنسان الضعيف، الذى قابل العمل الفدائى العظيم بالعداوة " أصلبه .. أصلبه " .
عهد الله مع إبراهيم:
ظهر الرب لإبراهيم وهو فى التاسعة والتسعين من العمر – أى بعد ولادة اسماعيل بثلاثة عشر عاما – وقال له " أنا الله القدير .. سر أمامى .. وكن كاملا ..، فأجعل عهدى بينى وبينك .. أكثرك كثيرا جدا " ( تك 17 : 2 ).
عبارة " كن كاملا " تعنى ضمنيا أن الله يسمح بالضيقة من أجل تكميل الأنسان، قال بولس الرسول ( يكمل رئيس خلاصهم بالآلام ) – عب 2 : 10 .
أما الوعد فكان " واعطى لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك، كل أرض كنعان ملكا أبديا " .
والموعد بتمليك الأرض إنما يشير روحيا إلى الميراث السماوى للمؤمنين من جميع الشعوب – فليس شئ أبدى إلا ما هو روحى ،،،هنا نرى أن الله يغير أسم آبرام ( أب عظيم ) إلى إبراهيم ( أب لجمهور كبير ) ،،، وأسم ساراى ( أميرتى ) إلى سارة ( أميرة )، حيث سينتسب إليها جميع الذين يرثون إيمان إبراهيم .
وكان العهد هو الختان للذكور، والختان كان عهد دم ( بقطع جزء من الجسم )، الختان يرمز إلى موت الجسد، وإلى المعمودية، وكلاهما إشارة إلى الموت مع المسيح، " ....مدفونين معه فى المعمودية ... " ( كو 2 : 8 –12 ) .
ظهور الله لإبراهيم، والوعد بولادة أسحق :
ظهر الرب لإبراهيم بشكل ثلاثة رجال ... ليترجم لإبراهيم الوعد الوارد فى ( ص 17 ) :
+ الرأى الأرجح أن ( الرب ) هنا هو الأقنوم الثانى فى الثالوث القدوس، ظهر بصورة إنسان تدبيريا لكى يهئ عقول البشر لسر التجسد، أما الأثنان اللذان معه فكانا ملاكين ظهرا معه لتنفيذ مقاصده فى سدوم وعمورة
+ من الأمور التى نلاحظها فى هذه الزيارة كرم أبراهيم وحسن ضيافته للرجال الثلاثة، كانت الضيافة عبارة عن ( عجل رخص، وثلاثة أكيال دقيق، وزبد ولبن ) كل هذا يسميه إبراهيم " كسرة خبز ... "، وقد أشار بولس إلى هذه الضيافة " لا تنسوا إضافة الغرباء لأن بها أضاف أناس ملائكة وهم لايدرون " ( عب 13 : 1 )
+ أعطى الله وعدا نهائيا لسارة بأن تنجب أبنا، فضحكت سارة فى قلبها، - لقد أخطأت سارة عدة أخطاء منها :
طردها لهاجر، ولومها لابراهيم بدون مبرر، وعدم إيمانها أن يكون لها إبن ،. ومع هذا لم يمنع الله عنها النسل، فالله فى عطاياه بلا ندامة ولا يعطى بناء على استحقاق الأنسان، وإنما يعطى بناء عن غناه فى العطاء والمجد، وقد عادت سارة وآمنت " بالأيمان سارة نفسها أيضا أخذت قدرة على إنشاء نسل وبعد وقت السن ولدت، إذ حسبت الذى وعد صادقا " (عب 11 : 11 ) .
+ بعد إنتهاء الزيارة بدأ الله يتحدث مع إبراهيم عما هو عتيد أن يفعله بسدوم ... ونتعجب عن الطريقة التى تكلم بها الله مع إبراهيم " هل أخفى عن إبراهيم ما أنا فاعله " ( تك 18 : 17 ) وهنا تبدأ شفاعة إبراهيم فى سدوم " أفتهلك البار مع الأثيم " ... إن هذا يظهر مكانة أولاد الله فى نظره، يقول داود " سر الله لخائفيه " ( مز 25 : 14 ) ... ولدينا فى الكتاب المقدس قصة إيليا النبى الذى بصلاته أغلق السماء ثلاث سنوات ونصف وبصلاته فتحها ( 1 مل 17، 18 )
وللحديث بقية