ان ابراهيم هو أب "لجميع الذين يؤمنون" ( رو 4: 11 ) .. ونحن ندرس حياته لكى ماندرس معاملات الله مع البشر، فكل ما كتب كتب لأجل تعليمنا، وبالرغم من أن أبراهيم هو أعظم رجل سجلت الأسفار المقدسة تاريخه، لكن لنذكر دائما أن أمامنا من هو أعظم من أبراهيم، ذاك الذى قال عن نفسه: "قبل أن يكون أبراهيم أنا كائن " – ذاك الذى تهلل أبراهيم أن يرى يومه فرأى وفرح ( يو 8 : 56، 58 ) ... ولا عجب فالقديس بولس بعد أن سرد قائمة طويلة لأبرار العهد القديم فى الرسالة إلى العبرانيين كسحابة شهود استطرد يقول: "ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمله يسوع" ( عب 12 : 2 ) . قصة إبراهيم مع الله :
تبدأ قصة أبراهيم حين تراءى له إله المجد، وهو مازال فى مدينة أور الكلدانيين، ( مكانها الحالى خرائب فى منتصف المسافة بين بغداد والخليج الفارسى، شرقى نهر الفرات بقليل ناحية الجنوب ) – ويوضح ذلك الوحى الألهى على فم أستفانوس شهيد المسيحية الأول " ظهر رب المجد لأبينا أبراهيم وهو فى ما بين النهرين قبل سكنه فى حاران ( مدينة على أحد فروع نهر الفرات ) – وقال له أخرج من أرضك ومن عشيرتك وهلم إلى الأرض التى أريك، فخرج حينئذ من أرض الكلدانيين وسكن فى حاران، ومن هناك نقله ( الله ) بعدما مات أبوه إلى هذه الأرض التى أنتم الآن ساكنون فيها " ( أع 7 : 2 – 4 ) .
إذن فقد تلقى أبراهيم الدعوة بالخروج وهو مازال فى أور الكلدانيين ... وكانت دعوة الله لابراهيم هكذا " اذهب من أرضك، ومن عشيرتك ومن بيت أبيك الى الأرض التى أريك، فأجعلك أمة عظيمة، وأباركك وأعظم أسمك . وتكون بركة، وأبارك مباركيك ولاعنك ألعنه، وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض " ( تك 12 : 1 –3 ).
1. فى الواقع يبدأ تاريخ أبراهيم بظهور الله له . والحق أن القيمة الحقيقية فى حياة أى أنسان وتاريخه تبدأ بظهور الله فى حياته. فقد يعيش إنسان عشرات السنين دون أن يكون له أثر، حتى يقبل دعوة الله ويحيا فى طاعته . . والله فى أثناء ذلك يعرض عليه ذاته لكى يستغنى، ويلبس ثيابا بيضا فلا يظهر خزى عريته .
2. لنتأمل فى قول الله لأبراهيم: "وتكون بركة " .. هنا نلاحظ ظاهرة عجيبة، فبعد أن كان الله يبارك البشر، أصبح هناك بشر يباركون البشر !!!
3. تأملات فى طاعة أبراهيم : كانت طاعة أبراهيم لله فى أن خرج من أرضه، فما هى حكمة الله من ذلك ؟
· الواقع أن كل أنذارات الله القديمة ( الطوفان – بلبلة الألسن - ...) لم تفلح فى حمل البشر أن يقلعوا عن الشر، لذا لم يكن هناك بد من أن يعزل الله فئة من البشر ليكونوا له . كان هناك خوف على أبراهيم، فالجو الذى عاش فيه ابراهيم فى أور الكلدانيين كان موبوءا بالوثنية ونجاساتها، فالانسان بطبعه ضعيف ومعرض للسقوط، وابراهيم نفسه وهو - أب الآباء – ضعف إيمانه وشك فى قدرة الله على إعالته فى أرض كنعان لما حدثت مجاعة فنزل إلى مصر دون مشورة الله، وكذب وقال عن زوجته سارة أنها أخته خوفا أن يقتله فرعون ... من هذا نفهم حكمة الرب فيما قاله على لسان أشعياء النبى "اعتزلوا اعتزلوا . أخرجوا من هناك . لا تمسوا نجسا " ( أش 52 : 11 ) – ويقول يوحنا فى رؤياه " ......اخرجوا منها ياشعبى لئلا تشتركوا فى خطاياها، ولئلا تأخذوا من ضرباتها " ( رؤ 18 : 4 ) .
· خرج أبراهيم من أور الكلدانيين طاعة لأمر الله، لكن أباه تارح والذين معه خرجوا معه على سبيل الصحبة والقرابة .. وهؤلاء كانوا ثقلا على أبراهيم فى طريق الطاعة الكاملة . وما أن وصلوا إلى حاران حتى حطوا رحالهم، ورفضوا الأرتحال أكثر، ظل أبراهيم معهم فى حاران زمانا طويلا لم يتمتع فيه بظهور الله له، ولم يتمكن من تنفيذ وصية الله له بالخروج، إلا بعد أن تخلص من هذه الروابط الجسدية التى كانت معطلا له عن السير فى طريق طاعة الله الكاملة .
وهنا نرى المقابلة الاولى للة مع ابراهيم عندما دعاة اللة
وفى تكملة الموضوع سنرى المقابلة الثانية مع اللة