جنازة الكمونى
وائل عبد الفتاح
October 13th, 2011 9:46 am
التحريرمقالات
لماذا خرج فلول الحزب الوطنى فى وداع الكمونى؟
لماذا تصدروا جنازته وهم يهتفون هتافات إسلامية؟
هل كان الكمونى وليا من أولياء الله؟ أم وليا من أولياء الديكتاتور؟!
وكتبت يوم القبض على الكمونى أن مصر ظلت تبحث عن الكمونى حتى وجدته فى نجع
حمادى.
كان وقتها رجل الساعة.. كلماته كانت ستغير أشياء كثيرة فى أحوال الدولة
ومستقبلها. الصحف تنشر صوره منذ أسبوع تقريبا، ويبدو بجسده الضخم ورأسه
الحليق مبعوثا فى مهمة خاصة. إن نظراته بين السذاجة والعنف المستتر. تقفز
من خلفها مشاعر مغدورة. هو واحد من بين 3 ملايين مسجل خطر.. وهو المتهم
الأول فى مذبحة عيد الميلاد التى قتل فيها 8 مسيحيين وأمين شرطة على بوابة
مطرانية نجع حمادى (جنوب الصعيد) بوابل من رصاص، يقال إن الكمونى وبصحبته
عصابة من 3 أشخاص أطلقوها على الحشد الخارج من الاحتفال الدينى.
الكمونى فتوة بالمعنى القديم، وبلطجى تحت الطلب بالمعنى الحديث الذى يمكن
استخدامه أو تأجيره.
الكمونى كان بطل الحوار الخفى بين محافظ قنا والنائبة جورجيت قللينى فى
مجلس الشعب.. وهما وجهتا نظر للدولة فى المذبحة الطائفية.. المحافظ تعامل
بحسه الأمنى كرجل شرطة سابق، وقال «كله تمام.. الكمونى رجل خطر.. اعتاد فرض
سيطرته.. وليس له ميول دينية.. وغالبا نفذ المذبحة بتحريض من آخرين»،
والنائبة انفعلت لأن كلام المحافظ يعنى «أن الأقباط هم المسؤولون، لأن
أحدهم اغتصب طفلة مسلمة».
المحافظ ليس وحده الذى يبحث عن المحرض. الدولة كلها. رئيس البرلمان الدكتور
فتحى سرور ووزير الشؤون البرلمانية الدكتور مفيد شهاب، السابقان، رددا
لحنا واحدا: «إنها قوى خارجية تريد زعزعة استقرار مصر».
الكمونى قال كلمته واعترف بأنه أطلق الرصاصات المجنونة ليلة عيد الميلاد،
لأن جريمة الاغتصاب استفزته. هو الذى بدأ مجده الإجرامى بواقعة هتك عرض،
تلتها وقائع أخرى متنوعة بعضها من نفس النوع الجنسى.
نظرية المؤامرة فاتنة هنا كما قلت. الدولة كلها توجه الأنظار إلى الخارج.
أعداء يريدون تدمير مصر واللعب على حدود خطوطها الحمراء.
لم تفكر الدولة أبعد من توجيه النظر إلى الخطر الخارجى، لكى لا يرى المجتمع
كوارثها وفشلها المتكرر فى صناعة مناخ يقاوم الطائفية المتصاعدة من
التسعينيات إلى الآن.
دولة إن لم يكن لها أعداء اخترعتهم لتبرر بهم خطاياها. وهو سلاح فاسد يضرب
فى الدولة نفسها.
المجتمع يستطيع بسهولة أن يفهم سر الكمونى، فهو وغيره من المسجلين خطر أداة
ذات حدين فى يد رجال الشرطة المحترفين.. هم عناصر كشف الجريمة وتنفيذها فى
نفس الوقت.
القتل فى نجع حمادى كان على الهوية.. وهذه أخطر إشارة جديدة. ليست معركة
عادية أو هجوماً مسلحاً بلا رسالة رمزية. إنها تدمير فى بناء الدولة، وبدلا
من البحث عن إعادة الترميم.. استغرقت الدولة وعبر كبار حراسها
الأيديولوجيين فى البحث عن مشجب فى مخازن الدول الشمولية، ولم تجد سوى
المحرض واليد التى تلعب فى الخفاء.
الدولة تجند حراسها للبحث عن «كمونى» دولى يحرك الكمونى المحلى. والاسم
المستوحى من محلات العطارة يشير إلى موهبة قديمة لدى الدولة فى صناعة خلطات
شهيرة من البهارات السياسية ذات الروائح النفاذة والمذاقات الحارقة.. خلطة
توحى بالمذاقات اللذيذة وتلهى المستهلكين فى سر الخلطة عما تحتها.
.. الكمونى ابن عزيز من أبناء مبارك.
وكان لا بد أن يبكى عليه الشعينى ضابط أمن الدولة الذى أصبح وكيلا من وكلاء
مؤسسى أحد أحزاب الفلول، هو نفسه الذى قاد التهديد بقطع الطرق إذا طبق
قانون العزل. وكان لا بد أن يشاركه البكاء الغول النائب الأبدى فى الحزب
الوطنى، والمستعد لاستعادة موقعه فى الانتخابات القادمة.
الكمونى هو ولى من أولياء الخزى، اسخدموه حيا، ويريدون أن يستخدموه بعد
الإعدام، لكى يتحولوا من صناع جريمة الاستبداد والفساد إلى ضحايا للثورة.
إنها جنازة رمزية استخدم فيها فلول الحزب الوطنى العواطف الدينية، وهم على
استعداد لاستخدام كل شىء.. لكى يعودوا وعلى وجوههم دموع التماسيح.