سواء أكان المرء مسيحيا أم مسلما فإنه لن يستطيع أن يتجنب شخص يسوع المتحدي. ومع أن المسيحيين والمسلمين معاً يقرون بأنه كان شخصية مهمة، فسرعان ما يبدأ الفريقان بالاختلاف فيما بينهما عندما يتحدثان عن يسوع. يؤمن المسيحيون بأن الله الذي خلق العالمين أعلن نفسه لخليقته إعلاناً كاملاً في شخص يسوع. أما المسلمون، فيعتقدون أنه مجرد نبي؛ صحيح أنه نبي عظيم .
إلا أن المشكلة تتمثل في الحقيقة التالية: إن معظم المسلمين لا يعرفون إلا النزر اليسير عن شخص يسوع الناصري التاريخي. فالقرآن يتضمن القليل عنه، والحقيقة معظم ما هو مدوّن فيه مجرد روايات مفصلة عن ميلاد يسوع. وفي حين يقال أنه علّم الجماهير، لا ترد سوى معلومات قليلة عن مضمون تعاليمه. لا يسجل القرآن أي مواعظ، أو أمثال، أو أياً من كلماته الرقيقة التي قالها للمساكين، وللذين كانت فيهم أرواح نجسة، كما لا يسجل أياً من تحدياته اللاذعة للمؤسسة الدينية في ذلك الوقت؛ فكل ذلك غائب. لذا يحتاج المرء إلى أن يرجع إلى العهد الجديد.
عندما يثير المرء مسألة يسوع ، يبادر المسلمون إلى السؤال: "نحن نكرم يسوع المسيح، فلماذا لا تكرمون محمداً؟" ولكنني أود أن أتحدى أصدقائي المسلمين بهذا السؤال: " لو قلت لكم، بلى، إنني أحترم محمداً، فهو أحد أبطال العالم!"، لنظرتم إلي كما لو أنه قد أصابني مسّ من الجنون. ألا ترون إذا أن الأمر الأساسي، ليس هو ادعاء المرء بأنه يحترم شخصاً ما، لكنه، أولاً وآخراً، بل هي معرفته حقيقة ما يمثله ذلك الشخص. فما لم يدرك المسلمون ما قاله يسوع وما فعله وما ادعاه لنفسه، فإن ادعاءهم بإكرامه، يظل، في أحسن حال أمراً مضللاً.
هدف هذه السلسلة هو مساعدة المسلمين على إعادة اكتشاف يسوع ـ ليتحروا بأنفسهم عما فعله وما قاله وما علمه.
ماذا كان موقف يسوع من يهودية عصره؟ هل آمن بما آمن به الآخرون في ذلك العصر، أم أنه انفرد عنهم؟ وإذا كان قد انفرد عنهم، فكيف فعل ذلك؟
ماذا كانت أهداف يسوع؟ ما الذي كان يسعى إلى تحقيقه من خلال ما قام به في نطاق يهودية عصره؟
كيف ابتدأت الكنيسة الباكرة؟ ما الذي حوّل مجموعة من الرجال الخائفين، بعدما فقدوا قائدهم، إلى مجموعة من الواعظين (المبشرين) المستعدين إلى مواجهة الشهادة في سبيل رسالتهم؟ لماذا بدأوا يعظون أن تاريخ إسرائيل قد بلغ أوجه الموعود في شخص يسوع؟
إن من يقول ببساطة، أن " يسوع كان مجرد نبي" أو يقول أن "الأناجيل قد حُرِّفت"، إنما يقصِّر عن فهم المسألة، وهذا ما ينزع إليه عنفاء المناظرين المسلمين ــ ما لم يستطع المرء أن يتحدث عن شخص يسوع على أساس خلفيته التاريخية، وأن يفهم ما الذي حثه وما الذي دفعه إلى متابعة دعوته، ومن ثم يفسر كيف أدى هذا إلى "المسيحية"، فالأفضل له أن يعود إلى نقطة البدء.