القرآن ذهب منه الكثير
وبسند صحيح عن ابن عمر قال: "لا يقولن أحدكم قد أخذت القرآن كلّه وما يدريه ما كلّه! قد ذهب منه قرآن كثير، ولكن ليقل قد أخذت منه ما ظهر". الدر المنثور 2/298.
وكلام ابن عمر هذا نصٌ صريح في سقوط كثير من آي القرآن وفقدانـها، وهو التحريف المقصود بحدّه وحدوده.
ولكن بعض علماء المسلمين يحاولون ستر ريح ما جاءهم به ابن عمر فقالوا مؤولين متلكئين: إنه قصد بالذي ذهب من القرآن منسوخ التلاو!.
وهذا الكلام باطل بلا ريب، لأمور:
1- ظاهر اللفظ حجة وخلافه يحتاج إلى دليل، فأين الدليل على أن ابن عمر قصد بقوله السابق منسوخ التلاوة؟!، لا دليل إلا الهرب من الفضيحة!
2- قوله (وما يدريه ما كله؟!) هو استفهام استنكاري يفيد النفي والتعجب من قول من يقول إنه قد أخذ القرآن كاملا وهذا لا يمكن تفسيره بنسخ التلاوة، لأن الله عز وجل في نسخ التلاوة يلغي الآية وينسخها فيحل محلها ويسد نقصها بآية أخرى مكانـها فلا ترفع آية أو تمحى إلا وتنـزل مثلها أو خير منها تقوم مقامها لذا لا تنقص الآيات وإنما تتبدل، وهذا لم يقصده ابن عمر وإنما قصد النقص وذهاب كثير من القرآن وليس في نسخ التلاوة نقص للقرآن وإنما تبديل وإحلال.
قال الشنقيطي في مذكرة أصول الفقه: "فالعجب كل العجب من كثرة هؤلاء العلماء وجلالتهم من المالكية والشافعية والحنابلة وغيرهم القائلين بجواز النسخ لا إلى بدل ووقوعه مع أن الله يصرح بخلاف ذلك في قوله تعالى (مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ) (البقرة/106). مذكرة أتصول الفقه للشيخ محمد الشنقيطي ص 49.
راجع: فضائل القرآن ج 2 ص 146. الإتقان للسيوطي 2/30 وروح المعاني 1/25 والدر المنثور 2/298.
عن سورة الأحزاب
أخرج أحمد بن حنبل في مسنده: "حدثنا عبد الله ثنا خلف بن هشام ثنا حماد بن زيد عن عاصم بن بـهدلة عن زر عن أبي بن كعب أنه قال: "كم تقرؤون سورة الأحزاب؟ قلت: ثلاثا وسبعين آية. قال: قط! لقد رأيتها وأنّها لتعادل سورة البقرة وفيها آية الرجم! قال زرّ: قلت وما آية الرجم؟ قال:(الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم)". مسند احمد 5/123 حديث 21245. والاتقان 2/25.
هذه الرواية صريحة في أن الأحزاب التي عرفها سيد القرّاء أبي بن كعب كانت ثلاثة أضعاف الموجود، وأنه لم يعهد السورة بـهذا العدد القليل من الآيات فتعجب من سقوط أكثرها، وكما ترى لو كان للضياع أصل يعوّل عليه لما خفي عن مثل سيد القراء أبي بن كعب، وإلا فما معنى أن الرسول أمر الصحابة أن يستقرئوه القرآن بعد عبد الله بن مسعود؟!
وهنا رواية أشكل من سابقتها: "عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت: كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمن النبي مائتي آية فلما كتب عثمان المصاحف لم نقدر منها إلا ما هو الآن". الاتقان 2/25.
فإن بين طياتـها اتـهاما لعثمان بتحريف المصاحف وحذف أكثر من مئتي آية من سورة الأحزاب وهذا الكلام موافق للروايات الصحيحة التي أخبرت أن عثمان حذف ستة أضعاف القرآن.
عن زر بن حبيش قال: قال لي أبيُّ بن كعب: كم تقدّرون سورة الأحزاب؟ قلت: إمّا ثلاثاً وسبعين آية، أو أربعاً وسبعين آية. قال: إنْ كانت لتقارن سورة البقرة، أوْ لهيَ أطول منها!!
وعن حذيفة قال: قال لي عمر بن الخطاب: كم تعدّون سورة الاحزاب؟ قلتُ: إثنتين أو ثلاثا وسبعين آية. قال: إن كانت لتعدل بسورة البقرة وإنْ كان فيها لاية الرجم. الدرّ المنثور 5 / 180.
قال ابن حزم في المحلّى عن إسناد هذه الرواية: «هذا إسناد صحيح لا مغمز فيه» راجع: المحلّى، لابن حزم 11: 234 مسألة 2204. والإتقان 3: 82. ومعالم التنزيل 1: 136. وفواتح الرحموت 2: 73.
نقل السيوطي في تفسير الدّر المنثور عن تاريخ البخاري، عن حذيفة أنّه قال: قرأت سورة الاحزاب على النبيّ، فنسيت منها سبعين آية ما وجدتها. الدرّ المنثور 5 / 180، في أوّل تفسير سورة الاحزاب. جوامع السيرة ص 277؛ وتقريب التهذيب 1 / 156.
عن زر عن أُبيّ بن كعب قال: كانت سورة الاحزاب توازي سورة البقرة وكان فيها (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتّة). المستدرك وتلخيصه 2 / 415، تفسير سورة الاحزاب؛ والاتقان، النوع السابع والاربعون في ناسخه ومنسوخه 2 / 25.تذكرة الحفاظ ص 1405؛ وكشف الظنون 1 / 1624.
وإذا ما علمت أنّ في سورة البقرة (286) آية، وفي الأحزاب (73) آية فإنّه سيكون المقدار الناقص من آياتها بموجب هذه الرواية (صحيحة الإسناد!!) هو (213) آية أو أكثر من ذلك «أو لهي أطول منها» أمّا مقداره في قول عائشة فهو (127) آية، بينما نجد ابن حبّان في صحيحه يروي عن أبيُّ بن كعب بأن سورة الأحزاب توازي سورة النور، وسورة النور (64) آية. راجع: البرهان في علوم القرآن ، للزركشي 2: 41 ـ42.
ومن مراجعة صحيح مسلم، والبرهان للزركشي، والدر المنثور في تفسير سورة البينة، يعلم أنّ إحصاءهم ـ أو قل: تقديرهم لعدد آيات سورة البينة ـ ينقص عما هو عليه اليوم (121) آية؛ لاَنّهم رووا عن أبي موسى الاَشعري وغيره، بأنَّها في الطُّول كسورة براءة _التوبة_ أي: (219) آية! بينما المصحف يشهد على كونها ثمان آيات فقط. راجع: صحيح مسلم 2: 726. والبرهان في علوم القرآن 1: 43. والدر المنثور 8: 587.
على أنّ ما قدمناه أهون بكثير من إحصاء عمر بن الخطاب لحروف القرآن الكريم كما في رواية الطبراني، وقد شهد على ذلك السيوطي في الاِتقان، وإليك نص ما نسبه إلى عمر من أنَّه قال: «القرآن ألف ألف حرف، من قرأه صابراً محتسباً كان له بكل حرف زوجة من الحور العين». راجع: الاتقان في علوم القرآن : 242 ـ 243. كنز العمال 1 / 460، الحديث 2309 و ص 481، الحديث 2427؛ والاتقان 1 / 72 في آخر النوع التاسع عشر في عدد سور القرآن وآياته وكلماته وحروفه؛ والدرّ المنثور 6/ 422.تذكرة الحفاظ ص1118؛ وكشف الظنون 1 / 2 وذيله ص 648؛ وهدية العارفين 1 / 648.
وهنا لابدّ من وقفة قصيرة فنقول: إنّ المنقول في إحصاء حروف القرآن هو: عن ابن مسعود: (322670) حرفاً.
وعن ابن عباس قولان: أحدهما: (323621) حرفاً.
والآخر: (323670) حرفاً.
وعن مجاهد: (320621) حرفاً.
وعن إبراهيم التيمي: (323015) حرفاً.
وعن عبد العزيز بن عبدالله: (321200) حرفاً.
وعن غير هؤلاء: (321000) حرفاً.
بينما نقل الزركشي: أنّهم عدّوا حروف القرآن فكانت ثلاثمائة ألف حرف وأربعون ألف وسبعمائة وأربعون حرفا. البرهان في علوم القرآن 1 / 249.وبناء على ما روي عن الخليفة عمر، فقد ذهب ثُلثا القرآن!
وكلّ هذه الاستقراءات ذكرها الفقيه أبو الليث نصر بن محمّد السمرقندي في كتابه بستان العارفين، مطبوع بذيل كتاب تنبيه الغافلين في الموعظة بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين: 457 الباب 149.
بيد أنّ المنقول عن أكثر القراء هو: (323671) حرفاً.
الاختلاف كبير جدّا في عدد الآَيات بين العلماء، قال السيوطي تعديد الآي من معضلات القرآن ونقل عن الموصلي: اختلفَ في عدّ الآَي أهلُ المدينة ومكّة والشام والبصرة والكوفة، ولأهل المدينة عددان (الإتقان 1/1-232).
سورة التوبة
لقد جاء في روايات عديدة وصحيحة أن حذيفة بن اليمان كان يتحسف من تسمية الناس لهذه السورة باسم سورة التوبة وهي في الأصل سورة العذاب لأن الناس يقرؤون ربعها فقط! فالتي نزل بـها جبريل على محمد أضعاف الموجود، وهذا ما أخرجه: " ابن أبي شيبة والطبراني في الأوسط وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه عن حذيفة قال: التي تسمّونـها سورة التوبة هي سورة العذاب والله ما تركت أحداً إلا نالت منه ولا تقرؤون منها مما كنا نقرأ إلا ربعها ".محمع الزوائد 7/28 سورة التوبة. المثنف لابن ابي الشيبة 10/509 حديث 10143.المستدرك على الصحيحين 3/208. الدر المنثور 3/208.
وأخرج الحاكم في موضع آخر بسنده:" عن حذيفة رضي الله عنه قال: ما تقرؤون ربعها يعني براءة وهي سورة العذاب". المستدرك 2/230.
وفي مجمع الزوائد: "عن حذيفة قال: تسمون سورة التوبة وهي سورة العذاب وما تقرؤون منها مما كنا نقرأ إلا ربعها". مجمع الزوائد 7/2.
ويا ليت أمرها اقتصر على الروايات فقط، بل تعداه إلى ما يعتقده القوم! حتى ذهب إمام المالكية مالك بن أنس إلى أن سورة براءة –التوبة- سقط منها الكثير عندما سقطت البسملة، وهذا ما ذكره الزركشي في البرهان عن الإمام مالك بن أنس حين تعرضه لأسباب سقوط البسملة من أوّل براءة فقال الزركشي:" وعن مالك أنّ أوّلـها لما سقط سقطت البسملة". البرهان في علوم القرآن 1/263.
وذكره السيوطي في الإتقان: "وعن مالك أن أوّلـها لما سقط سقط معه البسملة فقد ثبت أنـها كانت تعدل البقرة لطولـها". الاتقان 1/65.
وقد وافق ابن حزم قول الشيعة حيث قال في الإحكام: وأيضا فقد روي عن البراء أن آخر سورة نزلت سورة براءة وبعث النبي بـها فقرأها على أهل الموسم علانية، وقال بعض الصحابة وأظنه جابر بن عبد الله ما كنا نسمي براءة إلا الفاضحة. قال أبو محمد –ابن حزم-: فسورة قرئت على جميع العرب في الموسم وتقرع بـها كثير من أهل المدينة ومنها يكون منها آية خفيت على الناس؟! هذا ما لا يظنه من له رمق وبه حشاشة. الأحكام لابن حزم 6/266-268.
وفي تفسير سورة التوبة من الدرّ المنثور للسيوطي قال:
وأخرج ابن أبي شيبة والطبراني في الاوسط وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه عن حذيفة قال: الّتي تسمّون سورة التوبة هي سورة العذاب. واللّه ما تركت أحدا إلاّ نالت منه، ولا تقرأون منها ممّا كنّا نقرأ ربعها. تفسير التوبة من الدرّ المنثور 3 / 208؛ تذكرة الحفاظ ص 432 و ص 945 وكشف الظنون 2 / 1711. مادّة المصنف.ولباب الانساب لابن الاثير 1 / 331؛ وكشف الظنون ص 1406؛ وهدية العارفين 1 / 447.
روى الحاكم بسندٍ صحّحه: عن حذيفة بن اليمان ـ العالم بأسماء المنافقين ـ أنّه قال عن سورة براءة: ما تقرأون ربعها، وإنّكم تسمّونها سورة التوبة، وهو سورة العذاب(المستدرك على الصحيحين 2/ 33).
وفي نقل آخر: التي تسمّونها سورة التوبة هي سورة العذاب، والله ما تركتْ أحدا إلا نالتْ منه، ولا تقرأون إلا ربعها. الدرّ المنثور 3/20.
وفي الاتقان: قيل لبراءة: الفاضحة. الاتقان 1 / 56 والدرّ المنثور 3 / 208.
وفي الاتقان قال: قال مالك: إنّ أوّلها لما سقط، سقط معه البسملة، فقد ثبت أنّها كانت تعدل البقرة. الاتقان 1 / 67.
وسورة براءة في القرآن(129) آية، فمقتضى الحديث أنّها(516) يعني تقرب من ضعفي سورة البقرة أكبر سور القرآن!. المصنف للصنعاني ج 7 ص 330، حديث رقم 13363). التمهيد في شرح الموطأ ج 4 ص 275، شرح حديث 21).
ماذا قالوا عن الْمُعَوِّذَتَيْن؟
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ كَانَ عَبْدُ اللهِ يَحُكُّ الْمُعَوِّذَتَيْنِ مِنْ مَصَاحِفِهِ، وَيَقُولُ: إِنَّهُمَا لَيْسَتَا مِنْ كِتَابِ اللهِ – تَبَارَكَ وَتَعَالَى. رواه أحمد في مسند الأنصار(6/154) ح 20683. مجمع الزوائد(7/152).
وروى الأعمش عن إبراهيم قال: قيل لابن مسعودٍ لِمَ لَمْ تكتب الفاتحة في مصحفك؟ فقال: لو كتبتها لكتبتها في أول كل سورة. انظر تفسير القرآن العظيم لابن كثير(1/9)، وفتح القدير للشوكاني(1/62)، وانظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي(1/81).
وعن ابن سيرين أن أُبَيَّ بن كعبٍ وعثمانَ كانا يكتبان فاتحة الكتاب والمعوذتين، ولم يكتب ابن مسعودٍ شيئًا منهن. رواه عبد بن حميد في مسنده، ومحمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة، انظر فتح القدير(1/62).
وأما المعوذتان، إنه كان يَحكهما، ويقول: لا تخلطوا به ما ليس منه. يعني المعوذتين. الانتصار لنقل القرآن ص 93.
ويدل على ذلك ما رواه ابن أبي داود عن أبي جمرة قال: أتيت إبراهيم بمصحفٍ لي مكتوبٍ فيه: سورة كذا، وكذا آية، قال إبراهيم: امحُ هذا، فإن ابن مسعودٍ كان يكره هذا، ويقول: لا تخلطوا بكتاب الله ما ليس منه. رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف، باب كتابة الفواتح والعدد في المصاحف ص 154.
روي بعدة أسانيد في كتب السنة، بأن عبد الله بن مسعود كان يرى أن المعوذتين ليستا من القرآن الكريم، وروي عنه نحو ذلك بشأن سورة الفاتحة.
عن زر، قال: سألت أبي بن كعب، قلت: أبا المنذر، إن أخاك ابن مسعود يقول كذا وكذا. فقال أبي: سألت رسول الله فقال لي: قيل لي فقلت، فنحن نقول كما قال رسول الله (فتح الباري ج 8 ص 962).
وقال ابو بكر بن أبي شيبة في المصنف: عن عبد الرحمن بن يزيد قال: رأيت عبد الله محا المعوذتين من مصاحفه، وقال لا تخلطوا فيه ما ليس منه.(المصنف ج 6 ص 146).
وقال ابو عبيد في فضائل القرآن: عن ابن سيرين قال: كتب أبي بن كعب في مصحفه فاتحة الكتاب والمعوذتين و(اللهم إنا نستعينك) و(اللهم إياك نعبد) وتركهن ابن مسعود، وكتب عثمـأن منهـن فاتحة الكتاب والمعوذتين). فضائل القرآن ج 2 ص 144).
وقال الراغب الاصبهاني في المحاضرات: وأثبت ابن مسعود في مصحفه (لو كان لأبن آدم واديان من ذهب لابتغى اليهما ثالثا ويملاء جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب. (محاضرات الأدباء ج 2 ص 433).
الى أن قال: وأثبت ابن مسعود (بسم الله) في سورة البراءة.
الى أن قال: وأسقط ابن مسعود من مصحفه أم القرآن والمعوذتين.
وقال ابن الجوزي في فنون الأفنان في بيان عدد سور القرآن:
(أما سوره، فقال ابو الحسين بن المنادي: جميع سور القرآن في تأليف زيد بن ثابت على عهد الصديق وذي النورين مائة وأربع عشرة سورة، فيهن فاتحة الكتاب والتوبة والمعوذتان، وذلك هو الذي في أيدي أهل قبلتنا).
وجملة سوره على ما ذكر عن أبي بن كعب مائة وستة عشرة سورة، وكان ابن مسعود يسقط المعوذتين، فنقصت جلته سورتين عن جملة زيد، وكان زيد يلحقهما ويزيد اليهما سورتين، وهما الخلع والحفد)(فنون الأفنان في عيون القرآن ص 233، 234، 235).
قال الحافظ ابن حجر ردا على من ضعف الخبر المتقدم: والطعن في الرواية الصحيحة بغير مستند لا يقبل، بل الرواية صحيحة والتأويل محتمل. (فتح الباري ج 8 ص 964).
الدرّ المنثور للسيوطي 6 / 416. الاتقان 1 / 81 و1 / 67 ؛ ومسند أحمد 5 / 129 ولفظه: يحكّه من مصاحفه. تقريب التهذيب 1/ 401؛ وهدية العارفين 2 / 442.و 1 / 71. و1 / 825. و 1 / 54 و 2 / 44 تذكرة الحفاظ ص1051.و ص 204 و ص 920 و ص 417 ـ 418 بتاريخ بغداد 4 / 334. النوع التاسع عشر: في عدد سوره. البخاري في جزء القراءة، 1 / 113. ؛ تقريب التهذيب 2 / 117؛ تفسير المعوذتين بتفسير ابن كثير 4 / 71. 709؛ ومجمع الزوائد، 7 / 149 فهرست النديم، ط. مصر ، ص 39 ـ 40.
بلغ موقف ابن مسعود من المعوذتين شهرة أغنتنا عن تكلف ذكر أدلته، فأمره واضح لا يحتاج إلى بيان.
عن مسند الحميدي: "قال ثنا سفيان قال ثنا عبدة بن أبي لبابة وعاصم بن بـهدلة أنـهما سمعا زرّ بن حبيش يقول: سألت أبي بن كعب عن المعوذتين، فقلت: يا أبا المنذر! إن أخاك ابن مسعود يحكـّها من المصحف! قال: إني سألت رسول الله قال: قال لي: قل، فقلت: فنحن نقول كما قال رسول الله. مسند الحميدي ج 1 ص 185 حديث 27.
ومن مجمع الزوائد: "عن زر قال: قلت لأبيّ: إن أخاك يحكهما من الصحف!، قيل لسفيان ابن مسعود فلم ينكر، قال سألت رسول الله فقال: فقيل لي، فقلت. فنحن نقول كما قال رسول الله". مجمع الزوائد ج 7 ص 149 باي ما جاء في المعوذتين.
وعن عبد الرحمن بن يزيد يعني النخعي قال: كان عبد الله يحك المعوذتين من مصاحفه ويقول: إنـهما ليستا من كتاب الله تبارك وتعالى.
وعن عبد الله، أنه كان يحك المعوذتين من الصحف، ويقول: إنما أمر النبي صلعم أن يتعوذ بـهما وكان عبد الله لا يقرأ بـهما.
وعن المصنّف لابن أبي شيبة:" حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد قال: رأيت عبد الله مـحا المعوذتين من مصاحفه، وقال: لا تخلطوا فيه ما ليس منه". المصنف لابن ابي شيبة ج 10 ص 538 حديث 10254.
وعنه أيضا: "حدثنا وكيع عن ابن عون عن ابن سيرين قال: كان ابن مسعود لا يكتب المعوذتين". المصنف لابن ابي شيبة ج 6 ص 147 حدبث 30212.
وعند الشافعي في الأم: "أخبرنا وكيع عن سفيان الثوري عن أبي إسحق عن عبد الرحمن بن يزيد قال: رأيت عبد الله يحك المعوذتين من المصحف ويقول لا تخلطوا به ما ليس منه". الام ج 7 /189.
مسند أحمد: "حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا سفيان بن عيينة عن عبدة وعاصم عن زر قال قلت: لأبي إن أخاك يحكهما من المصحف! فلم ينكر. قيل لسفيان بن مسعود، قال: نعم، وليسا في مصحف ابن مسعود كان يرى رسول الله يعوذ بـهما الحسن والحسين ولم يسمعه يقرؤهما في شيء من صلاته فظن أنـهما عوذتان وأصر على ظنه وتحقق الباقون كونـهما من القرآن فأودعوهما إياه". مسند احمد ج 5 ص 130 حديث 21227.
وقال ابن جحر العسقلاني في فتح الباري: "وقد أخرجه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند والطبراني وابن مردويه من طريق الأعمش عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد النخعي قال: "كان ابن مسعود يحك المعوذتين من مصاحف ويقول إنـهما ليستا من كتاب الله". فتح الباري بشرح صحيح الباري ج8 743. ومحمع الزوائد ج 7 ص 149 التفسير الكبير للرازي 1/213.
وقال السيوطي في الإتقان: "وفي مصحف ابن مسعود مائة واثنا عشرة سورة لأنه لم يكتب المعوذتين، وفي مصحف أُبيّ ست عشر لأنه كتب في آخره سورتي الحفد والخلع. وأخرج أبو عبيد عن ابن سيرين قال: كتب أُبيّ بن كعب في مصحفه فاتحة الكتاب والمعوذتين و(اللهم إناّ نستعينك) و(اللهم إياك نعبد) وتركهن ابن مسعود وكتب عثمان منهن فاتحة الكتاب والمعوذتين". الإتقان 1/65.
البخاري ذكر إنكار ابن مسعود لقرآنية المعوذتين في صحيحه!
ويكفينا أن إنكار ابن مسعود للمعوذتين قد أخرجه البخاري في صحيحه في (باب تفسير سورة قل أعوذ برب الناس): "عن زر قال: سألت أبي بن كعب قلت: يا أبا المنذر! إن أخاك ابن مسعود يقول: كذا وكذا، فقال أبي: سألت رسول الله، فقال لي: قيل لي، فقلت. قال: فنحن نقول كما قال رسول الله صحيح البخاري ج 4 ص 1904 حديث 4693 و4692.
وكما ترى فقد حاول البخاري ستر رائحة ما قاله ابن مسعود ولكنه عجز عن ذلك، فإن ما أبـهمه البخاري بقوله (كذا وكذا) قد بيّنه كثير من أعلام وحفاظ أهل السنة كما مر، ونص على تستر البخاري رواة الأخبار والمحدثين، فهذا البيهقي يقول بعد ذكره هذه الرواية:
"وأنبأ أبو عبد الله الحافظ أنبأ أبو بكر بن إسحاق أنبأ بشر بن موسى ثنا الحميدي ثنا سفيان ثنا عبدة بن أبي لبابة وعاصم بن بـهدلة أنـهما سمعا زر بن حبيش يقول: سألت أبي بن كعب عن المعوذتين فقلت:يا أبا المنذر أن أخاك ابن مسعود يحكهما من المصحف! قال: إني سألت رسول الله، قال: فقيل لي، فقلت. فنحن نقول كما قال رسول الله. رواه البخاري في الصحيح عن قتيبة وعلي بن عبد الله عن سفيان ". سنن البيهقي الكبرى ج 2ص 394 حديث 3851.
وكذا الحافظ ابن حجر الهيثمي في مجمع الزوائد علق على الرواية السابقة بقوله: "هو في الصحيح –أي صحيح البخاري- خلا (حكهما من المصحف)، رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح ".مجمع الزوائد 7/149.
اذا اتضح إلى هنا أن الروايات صريحة في إنكار ابن مسعود لقرآنية المعوذتين، بل إن بعضها يفيد أن موقف ابن مسعود كان معروفا ومشهورا بين الصحابة والتابعين.
فقدان سورتين إحداهما تعدل التوبة وأخرى المسبحات!
أخرج مسلم في صحيحه: "عن أبي الأسود ظالم بن عمرو قال: بَعثَ أبو موسى الأشعري إلى قرّاء أهل البصرة، فدخل عليه ثلاثمائة رجلٍ قد قرءوا القرآن. فقال: أنتم خيار أهل البصرة وقرّاؤهم. فأتلوه ولا يطولن عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم، وإنـّـا كنّـا نقرأ سورةً كنّـا نشبِّهـها في الطّول والشّدة ببراءة، فأنْسيتُها، غير أنّي قد حفظت منها: (لو كان لابن آدم واديان من مالٍ لابتغى وادياً ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب) وكنّا نقرأ سورة كنّا نشبـّـهها بإحدى المسبِّحات فأنسيتها غير إنّي حفظت منها "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون فتكتب شهادةٌ في أعناقكم فتُسألون عنها يوم القيامة". صحبح مسلم ج 3 ص 100 وبشرح النووي ج 7 ص 139-140 الاتقان في علوم الران 1/64.
وفي الدر المنثور: وأخرج أبو عبيد في فضائله وابن الضريس عن أبي موسى الأشعري قال: نزلت سورة شديدة نحو براءة في الشدة ثم رفعت وحفظت منها (إن الله سيؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم). الدر المنثور1/105.
وفي مجمع الزوائد: "عن أبي موسى الأشعري قال: نزلت سورة نحوا من براءة فرفعت فحفظت منها (أن الله سيؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم)". مجمع الزوائد5/302.
والسؤال هنا: أين ذهبت هاتان السورتان؟، ولماذا لم يذكرهما غير أبي موسى الأشعري؟ وكيف أثبتوا ما ليس من القرآن فيه برواية آحاد؟ أسئلة كثيرة لا جواب عنها إلا تحريف القرآن بالزيادة أو النقيصة، كما مر سابقاً.
ترك كتابة سورة الفاتحة
قال القرطبيّ: أجمعت الاُمّة على أنّ الفاتحة من القرآن.
فإنْ قيل: لو كانتْ قرآنا لأثبتها عبدُ الله بن مسعود في مصحفه، فلمّا لم يُثبتْها دلّ على أنّها ليست من القرآن، كالمعوّذتين عنده.
فالجوابُ: ما ذكره أبو بكر الأنباريّ: قيل لعبد الله بن مسعود: لِمَ لمْ تكتبْ فاتحة الكتاب في مصحفك؟ قال: لو كتبتُها لكتبتُها مع كلّ سورة.
قال أبو بكر: يعني اختصرتُ بإسقاطها ووثقتُ بحفظ المسلمين لها. (تفسيرالقرطبي 1/ 114).
وروى السجستانيّ عن ابن مسعود أنّه أسقطَ (ولا يلتَفِتْ منكمْ أحَدٌ) من الآية(18) من سورة(52) هود. (المصاحف ص73).
يقرأ؟ قال: قال أبو الدرداء لعلقمة النخعيّ: تحفظُ كيف كان عبدُ الله بن مسعود قلت: نعم، قال (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى) 1(وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى) 2(………والذَّكَرَ وَالأُنْثَى) 3 قال علقمةُ: فقلتُ: (والذكر والاُنثى).
قال أبو الدرداء: والله الذي لا إله إلاّ هو، لهكذا أقْرأني رسولُ الله من فيهِ إلى فيَّ، فما زالَ هؤلاء حتّى كادوا أنْ يردّوني عنها. (أمالي المحاملي ص112 ح72).
وفي (البخاري 8/ 77): هؤلاء يريدونني على أنْ أقرأ: (وما خلق الذكر والاُنثى) والله، لا اُتابعهم. (أخرجه مسلم وأحمد) قال ابن حجر في(فتح الباري: 8707) هؤلاء: يعني أهل الشام.
زيادة(وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ): روى السجستاني في (المصاحف ص65) عن ميمون بن مهران، وتلا هذه السورة:(وَالْعَصْرِ) 1(إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ) 2(إلاّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ……….. وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) 3. ذكر أنّها هكذا في قراءة ابن مسعود، أي بحذف(…وَتَوَاصَوْا بِالحَق…).
سورتي الحفد والخلع للقرآن!
هذا نص سورة الخلع: "اَللّهُمّ إِنّا نَسْتَعِيْنُك وَنَسْتَغْفِرُكَ ونُثْنِيْ عَلَيْكَ اَلْخَيْرَ ولا نَكْفُرُك ونَخْلَعُ ونـَــتـْرُكُ مَنْ يَفْجُرُك"
ونص سورة الحفد:
"اَللّهُمّ إيّاكَ نَعْبُدُ ولَكَ نُصَلِّي ونَسْجُدُ وَإِلَيْكَ نَسْعَى ونَحْفِدُ نَرْجُوْ رَحْمَتَكْ ونَخْشَى عَذَابَكَ اَلْجَد إِن عَذَاْبَكَ بِالكُفّاْرِ مُلْحِقٌ"
روايات المسلمين القائلة أنـهما قرآن منزّل!
لنستعرض بعض رواياتـهم التي تدل على أنـهما سورتان كغيرهما من سور القرآن، وأن بعض الصحابة كان يقرأ بـهما في صلاته بل ومنهم من يحلف بالله أنـهما نزلتا من السماء، وتارة أخرى تخبرنا الروايات كتابة بعض الصحابة للسورتين بين سور مصاحفهم، وهاك نبذة منها:
النص على كونـهما سورتين:
وأخرج محمد بن نصر والطحاوي عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب كان يقنت بالسورتين (اللهم إياك نعبد) (واللهم إنا نستعينك). وأخرج محمد بن نصر عن عبد الرحمن بن أبزى قال: قنت عمربالسورتين. وأخرج محمد بن نصر عن عبد الرحمن بن أبى ليلى أن عمر قنت بـهاتين السورتين: (اللهم إنا نستعينك) و(اللهم إياك نعبد). الدر المنثور ج 6 ص 420.
وأخرج محمد بن نصر عن سفيان قال: كانوا يستحبون أن يجعلوا في قنوت الوتر هاتين السورتين:(اللهم إنا نستعينك) و(اللهم إياك نعبد). وأخرج محمد بن نصر عن إبراهيم قال يقرأ في الوترالسورتين:(اللهم إياك نعبد)(اللهم إنا نستعينك ونستغفرك).
"وأخرج محمد بن نصر عن الحسن قال: نبدأ في القنوت بالسورتين ثم ندعو على الكفار ثم ندعو للمؤمنين والمؤمنات".
عن أبي اسحاق قال: أمّـنـا أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد بخراسان فقرأ بـهاتين السورتين (إنا نستعينك) و(نستغفرك). محمع الزوائد 7 157. والاتقان في علوم القرآن 3/36.
وأخرج محمد بن نصر عن عطاء بن السائب قال كان أبو عبد الرحمن يقرئنا (اللهم إنا نستعينك) زعم أبو عبد الرحمن أن ابن مسعود كان يقرئهم إياها ويزعم أن رسول الله كان يقرئهم إياها ".الدر المنثور ج 6 ص 422.
وأخرج أبو الحسن القطان في المطولات عن أبان بن أبي عياش قال سألت أنس بن مالك عن الكلام في القنوت فقال: (اللهم إنا نستعينك ونستغفرك) قال أنس: والله إن أنزلتا إلا من السماء! الدر المنثور ج 6 ص 420.
ولا أرى نصوصا هي أوضح وأجلى بيانا مما سبق في إثبات كونـهما سورتين كغيرهما من سور القرآن.
دمج بعض الصحابة لـهما في المصحف
وأخرج محمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة عن أبي بن كعب أنه كان يقنت بالسورتين فذكرهما وأنه كان يكتبهما في مصحفه". الاتقان في علوم القرآن 2/35-37
وفي مصحف ابن مسعود مائة واثنا عشرة سورة لأنه لم يكتب المعوذتين، وفي مصحف أُبيّ ست عشر لأنه كتب في آخره سورتي الحفد والخلع.
وأخرج ابن أبى شيبة في المصنف ومحمد بن نصر والبيهقي في سننه عن عبيد بن عمير أن عمر بن الخطاب قنت بعد الركوع فقال (بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إنا نستعينك ونستغفرك …) وزعم عبيد أنه بلغه انـهما سورتان من القرآن من مصحف ابن مسعود ". الدر المنثور ج 6 ص 421.
شـبهة!
قد يقال إن تلك الروايات التي تحكي كتابة السورتين في مصحف كل من أَبي بن كعب وابن مسعود وابن عباس لا يستفاد منها أنـهم ألحقوها بالمصحف كسورتين مثل بقية سور القرآن وإنما كتبتا كذكر ودعاء في آخر المصحف حتى يسهل إيجادهما وقراءتـهما، فليس كل ما يضاف في آخر المصحف يعتبر من القرآن المنـزل، وهذا أشبه بما يفعل اليوم من دمج دعاء ختم القرآن في آخره وهذا لا يعني أنه دمج كسورة في المصحف.
وهذا الكلام غير صحيح لأن الروايات صريحة في كونـهما سورتين ولم يعهد التعبير بالسورة عن الدعاء، وقد صرحت رواياتـهم عن كيفية وضع أبي بن كعب هاتين السورتين في مصحفه وكيفية ترتيبهما، وهذا بيانه: قال ابن أشته في كتاب المصاحف: أنبأنا محمد بن يعقوب، حدثنا أبو داود حدثنا أبو جعفر الكوفي قال: هذا تأليف مصحف أُبيّ: الحمد ثم البقرة ثم النساء ثم آل عمران ثم الأنعام ثم الأعراف ثم المائدة ثم يونس ثم الأنفال -إلى أن يقول- ثم الضحى ثم ألم نشرح ثم القارعة ثم التكاثر ثم العصر ثم سورة الخلع ثم سورة الحفد ثم ويل لكل همزة … إلخ". الاتقان في علوم القرآن 1/64 طبعة الحلبي.
وقال النديم في الفهرست: "اب ترتيب القرآن في مصحف أبي بن كعب: … الصف، الضحى، ألم نشرح لك، القارعة، التكاثر، الخلع ثلاث آيات، الحفد ست آيات اللهم إياك نعبد وآخرها بالكفار ملحق، اللمز، إذا زلزلت، العاديات، أصحاب الفيل، التين، الكوثر، القدر، الكافرون، النصر، أبي لهب، قريش، الصمد، الفلق، الناس، فذلك مائة وستة عشر سورة قال إلى هاهنا أصبحت في مصحف أبي بن كعب وجميع آي القرآن في قول أبي بن كعب ستة آلاف آية ومائتان وعشر آيات وجميع عدد سور القرآن". الفهرست ج 1 ص 40.
فالكل متفق على أن السورتين وقعتا بين السور، وترتيبهما بـهذا النحو في مصحف أبي بن كعب شاهد على أنـهما دمجتا كسورتين من سور المصحف لا كدعاء ألحق في آخر صفحاته! بل إن راوي الرواية قد صرّح بكونـهما سورتين، فجزئيتهما واضحة لا غبار عليها ، ومما يزيد الأمر وضوحا هذه الرواية: وأخرج محمد بن نصر عن الشعبي قال: " قرأت أو حدثني من قرأ في بعض مصاحف أُبيّ بن كعب هاتين السورتين: (اللهم إنا نستعينك)، والأخرى، بينهما (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ) قبلهما سورتان من المفصل وبعدهما سور من الفصل " الدر المنثور ج 6 ص 420
وواضح من موضع السورتين في المصحف أن دمجهما كان باعتبار قرآنيتهما وإلا لو كانت دعاءً لما صح أن توضع بين السور بل توضع في آخر المصحف أو في هامش الصفحات، وهذا التقريب ليس بذاك الشيء بعد صراحة الروايات السابقة ونصها على أنـهما سورتان.
من عدهما سورتين من الصحابة والتابعين
إن أدنى مراجعة لرواياتـهم تزودنا بقائمة بأسماء سلفهم الذين كانوا يقولون بقرآنيتهما، وهم: أبي بن كعب، وعبد الله بن عباس، وأبو موسى الأشعري، وأنس بن مالك، وعبد الله بن مسعود، وإبراهيم، وسفيان الثوري، والحسن البصري، وعطاء بن رباح، وأبو عبد الرحمن بزعم عطاء بن السائب، وقد قال ابن عباس وعبد الرحمن بن أبي ليلى وعبد الرحمن بن أبزى وعبيد بن عمير أن عمر بن الخطاب كان يقرأ هاتين السورتين في الصلاة.
أين ذهبت؟!
السؤال المهم الذي يلزمهم الإجابة عنه هو، أين ذهبت هاتان السورتان؟ ولماذا لم تكتبا في المصحف زمن عثمان؟ خاصة وأن الصحابة كانوا يقرؤونـها بعد وفاة النبي بمدة طويلة إلى ما بعد زمن عثمان، وكتبوهما في مصاحفهم؟.