ما أعظم محبة الله
(رو 5: 8)
كثيرة هي صورة المحبة البشرية و منها محبة الأم لأولادها، والجندي لوطنه، والممرضة لمرضاها.
و كثيرة هي قصص الحب المشهورة التي سمعنا بها و قرأنا عنها.مثال على ذلك قيس وليلى، روميو و جوليت، شمشون و دليلة أنطونيو و كليوباترا و غيرهم كثيرين.لكن هذه المحبَّات رغم ما فيها من روعة و جمال و عاطفة و مجد و تضحية لا تضاهي محبة الله ولا تقاس أو تقارن بها، لأن الفرق بينها و بين المحبة الإلهية
هو كالفرق بين الموت والحياة،
كالفرق بين الظلمة والنور،
كالفرق بين الشهب والمحرق،
كالفرق بين الدلو والمحيط،
كالفرق بين الشمعة والشمس،
وكالفرق بين الإنسان والله،
أما الأسباب التي يقدمها الرسول بولس في الآية الكريمة التي تقول "لكن الله بيَّن محبته لنا" فهي هذه
أولا أنها محبة ظاهرة .
"الله بيَّن محبته لنا".و هذا يعني أن محبته كانت في وقت من الأوقات مستورة و مخفية ذلك لان الله منذ الأزل، ولكنه لم يبق تلك المحبة مستورة بل بينها لنا في الزمان.و كانت الذروة في مجيء المسيح و غزوه أرضينا هابطا ألينا من وراء الشفق الأزرق صائرا في شبه الناس.و يتضح هذا من أقوال المسيح وامثاله وافعاله .
في حديثه مع نيقوديمس قال يسوع لهذا المعلم الكبير: هكذا أحب الله العالم .. و في موعظته على الجبل قال عن الأب أنه "يشرق شمسه على الأشرار والصالحين و يمطر على الأبرار والظالمين ."
و محبة الله ظاهرة في أمثال يسوع.ألم يحدثنا عن الخروف الضال والدرهم الضائع والابن الضال؟ كان قصد المسيه أن يؤكد لنا أن الأب هو الذي يبحث دائما عن الإنسان مظهرا محبته له بصورة عملية .
و ماذا نقول عن أعمال المسيح؟ عن شفائه المرضى، واقامته الموتى، و مواساته الحزانى، و ترفقه بالضعفاء والمساكين، و غفرانه للخطية، وموته البديلي؟
2- أنها محبة طاهرة .
"لانه و نحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا". أن محبة الله للإنسان في حالته الردية والرزية هي خير دليل على سمو و طهارة حبه.أن محبة الإنسان مشوبة بالنقص والضعف والتقلب والغايات والمصالح الشخصية والميول الجسدية.أما محبة الله فهي لخير المحبوب ليس إلا.فلا بدع أن قال يوحنا الرسول "الله محبة".
فتاة مخطوبة بلغها أ، خطيبها فقد كلتا يديه في الحرب.فأرسل يقول لها أنها حرة من ارتباطها به و تستطيع أن تتزوج ممن تشاء لانه سيعجز هو عن أعالتها.فما كان منها ألا أن ذهبت إليه قائلة: أني أحبك ليس لأجل يديك بل أحبك أنت شخصيا ولن أتخلى عنك مهما تكن الظروف.ما هذه إلا صورة عن محبة الرب لنا نحن البشر.نعم هو يكره الخطية ولكنه يحب الخطاة ذوي النفوس الخالدة.و قد أوصلته محبته إلى أقصى الحدود – أي إلى أن يحب أعداءه في الفكر والفؤاد والفعل والفم.ولو لم تكن محبته هكذا عظيمة لما تمكنت من أن تذيب قلوب المجرمين والزناة واللصوص و ترجعهم إليه تائبين نادمين من كل القلب.
3-أنها محبة باهرة .
"مات المسيح لأجلنا" تقول الأساطير أن البطل أطلس حكم عليه بأن يحمل السماء على كتفيه.أما المسيح فقد حمل ما هو اثقل من ذلك بكثير.حمل خطايا العالم أجمع، مع العلم أنه لم يقترف أثما ولا ذنبا.أنه ابن الله الذي به كان كل شيء ... و به يقوم الكل ... وله الكل ... وهو الذي تنبأ عنه الأنبياء و شهد له الأتقياء و بشر بتجسده الملاك و رنمت عند ولادته جند السماء.يسوع هذا هو الذي مات من أجلنا.
لم يكن من السهل على الآب السماوي أن يضحي بابنه الوحيد و مع ذلك "لم يشفق عليه بل بذله من أجلنا أجمعين ."
لاحظ قارئي الكريم أن الله لم يرسل ملاكا كمخائيل أو جبرائيل بل أرسل عمانوئيل.فكانت كلفة المحبة غالية و عالية.
ثم أن محبة الله باهرة لا فيكلفتها و حسب بل أيضا في كفايتها.و عليه فأن عمل المسيح على الصليب لا يحتاج إلى تكميل أو تعديل أو تبديل.أنه عمل كل شيء و كان البادئ في المحبة ولم يطلب منا سوى أن نبادله حبا بحب.و هذه المبادلة لا تتم ألا بتسليم القلب والحياة له.عندئذ نستطيع أن نقول: "نحن نحبه لأنه هو أحبنا أولا" و عندئذ نستطيع أن نشترك مع المرنم قائلين:
محبة الله سمت ما قاسها عقل فهيم
فوق النجوم و نـزلت تحت الجحيم
إذ أذنب كل البشر أتاهم الرحيم
هداهم فداهم بدمه الكريم
صـــلاة: شكرا لأجل محبتك يا رب الظاهرة الطاهرة الباهرة التي لولاها، لكنا جميعنا من الهالكين.ساعدنا كي نبادلك حبا بحب ونضع قلوبنا بين يديك لكي تطهرها بدمك .باسم المسيح فادينا.آمين .