ماريانا عضو نشبط
عدد المساهمات : 153 نقاط : 50923 السٌّمعَة : 5 تاريخ التسجيل : 21/01/2011 العمر : 48
| موضوع: درس العمر ياشباب الثلاثاء أبريل 05, 2011 3:28 am | |
| درس العمر
أنا رجل في نهاية الأربعينيات, نشأت في أسرة متوسطة, مستورة, كان أبي وكذلك أمي, صالحين, تعبا في تربيتي وأشقائي كثيرا, وأصرا علي أن نحصل جميعا علي مؤهل عال, ونجحا في ذلك. منذ طفولتي وأنا متمرد, طموح, أحلم بالثروة والوجاهة, لذا التحقت بكلية تؤهلني للعمل الخاص, وما أن تخرجت, حتي التحقت بمكتب لأحد رجال الأعمال الكبار, وبدأت تحقيق حلمي الكبير.
لم أكن متدينا, علي الرغم من بيئتي الدينية.. لا أحرص على أداء الصلوات, ولأنه لم يكن مقبولا من والدي أن أجلس في البيت وقت الصلاة. لم أجد غضاضة يوما في الجلوس في البارات أو الملاهي الليلية. وكنت أتعامل مع شرب الخمور علي أنها وجاهة اجتماعية, تضعني في طبقة أخري, وتتيح لي الجلوس مع شخصيات لم أكن أحلم بالجلوس معها, بل وأصادقها, فالسكر يزيل الفوارق ويقرب المسافات, بل يسقطها تماما. لذا فقد نجحت في مصادقة رئيسي في العمل, ووصلت إلي رئيس المؤسسة, ووصلت إلي مرتبة رائعة في سنوات قصيرة. كان لدي نهم شديد للخطيئة, أبحث عنها إن لم تأت إلي, بدون أي تأنيب للضمير.. لم يكن يؤلمني إلا وجه أمي الذي يصادفني عند عودتي إلي البيت وقت الفجر, فتقبلني وهي تدعو لي ربنا يهديك يا بني وينور طريقك ويحبب فيك خلقه ويبعد عنك أولاد الحرام ثم تختم دعاءها بسؤالها التقليدي: مش هتصلي يا بني.. صل واشكر ربنا علي نعمه عليك, فأرد عليها: طبعا هصلي دلوقتي, ثم أهرب منها وأنا نصف واع, ونصف متألم. فأستسلم للنوم, لأصحو وأواصل زحفي. في سني عمري المبكرة, أدمنت أيضا العلاقات النسائية, لم أفرق يوما بين زوجة صديق, ابنة جار, قريبة, أو حتي صاحبة مصلحة أو حاجة.
استمرت حياتي هكذا, حتي اهتزت حياتي بوفاة والدي وعمري يلامس الثلاثين.. توقفت مع نفسي بعد أن واريت جثمانه الثرى ورأيت المقر الذي سأذهب إليه, فعدت إلى الله وتبت علىما فعلت, ومع الحزن الذي كانت تعيش فيه أمي, إلا أنها كانت سعيدة بهدايتي, ففاتحتني في أمر الزواج, فرحبت علي الفور, ووجدتها فرصة, للخلاص نهائيا من الوقوع في الخطيئة. خلال شهور قليلة, اشتريت شقة جديدة, ورشحت لي والدتي فتاة من العائلة, على خلق وجمال, فسعدت بها, وأتممنا زواجنا بسرعة شديدة.. كان الله كريما معي إلي أقصىحد.. فقررت أن أبتعد عن الأجواء التي كنت أعيشها.. تركت العمل وأسست مكتبا خاصا, وكأن زوجتي هي مفتاح الخير, رزقني الله من حيث لا أحتسب, فانتعشت أحوالنا, وانتقلنا خلال عام واحد إلي شقة أوسع في منطقة أرقي.. كنت راضيا, سعيدا بحياتي, خاصة بعد أن رزقني الله بطفلة مثل البدر. لن أستطيع أن أصف لك, كيف كانت تسير أيامي, نجاح يلاحق نجاحا, ومع هدوء واستقرار في البيت, حتى كنا محط حسد وغبطة كل من حولنا. خمس سنوات مرت علي زواجي واستقراري, حتي حدث الإنقلاب الكبير. ذات يوم زارتني في مكتبي سيدة, شديدة الجمال, جاءت لي كي أتولىبعض قضاياها. في اللحظة الأولي التي رأيتها, حدث لي اضطراب شديد.. تمنيتها, اشتهيتها.. وجدت نفسا أخر غير التي كنتها, تلك النفس الفاجرة التي عايشتها سنوات. لا أخفيك, هي الأخري, كانت ماكرة, لعوبا.. حديثها لين, مراوغ. فوجدتني أتحول إلي ذاك القناص القديم, فألقيت عليها بكل شباكي.. فتوطدت علاقتنا, بدأت أسهر معها, وأتأخر عن مواعيد عودتي إلي البيت, متحججا بكثرة العمل. ولك أن تتوقع ما حدث بيننا بعد أسابيع قليلة. سقطت في الوحل مرة أخري.. ولكن هذه المرة أصابني غم ونكد وندم, دامت أياما, ثم تلاشت كل هذه الأحاسيس بعد أيام.. وفوجئت بأن غطاء الخطيئة انفتح مرة أخري.. فتكررت لقاءاتنا, وبعد فترة مللتها فابتعدت عنها, وإن لم أبتعد عن هذا الطريق. عدت إلى سيرتي الأولي, كل يوم سهر وخمور ونساء.. وكل يوم, المسافة تبتعد بيني وبين زوجتي التي أنجبت لي طفلة ثانية, فانشغلت بتربية الطفلتين, وإن لم تنشغل عني, بل كانت تعبر عن اندهاشها من تغيري, من انقطاعي عن الصلاة, وسهري للصباح, فكنت أقول لها كلاما غير مقنع عن توتري الشديد بسبب مشكلات في العمل, وأنها فترة قصيرة وسأعود إلى ماكنت عليه. فكانت تقبل كلامي مجبرة, حريصة على عدم الصدام معي. ولكن لم يكن هناك مفر من هذا الصدام, عندما بدأت أشرب الخمور في البيت, فاعترضت بعنف, وقالت لي إنها لن تقبل أن تعيش وابنتاها في بيت لا تدخله الملائكة, وهددتني بترك البيت, فوعدتها وإلتزمت بعدم شرب الخمور في البيت, وإن ابتعدت عنها أكثر, وحدث شرخ كبير في علاقتنا, حتى شحبت وأصبحت أشاهدها كثيرا تبكي, ولكني لم أتوقف عن طريقي. كنت كل ما أخشاه أن تعرف أمي ماصرت إليه, فتغضب مني وتتوقف عن دعائها لي.. فقد كنت أستشعر أن ستر ربي لي وعدم عقابه لي, بسبب دعواتها. كما أني كنت أكثر من فعل الخير, أتصدق على الفقراء, وأرعى الأيتام, وأتبرع للأعمال الخيرية, مؤمنا بأن الحسنات يذهبن السيئات, مرددا ـ مثل كل العاصين ـ هذه نقرة وتلك نقرة أخرى, مكتفيا عقب كل معصية, بترديد التوبة, وكأني أخدع الله فيما كنت أخدع نفسي, مستسلما لوسواس الشيطان. أعوام تلحق بأعوام, أحوالي المالية جيدة, علاقتي بأسرتي فاترة, وعلاقتي بالله مخدرة, غارق حتي أذني في الخطيئة, واثقا ـ ولا أدري مصدر هذه الثقة ـ في عفو الله وكرمه ورحمته, بدون أن أفعل ما أستحق عنه كل هذا. كان يمكن أن تستمر حياتي هكذا, لولا تلك الرسالة القاسية ـ على المذنبين مثلي ـ التي وصلتني من الله منذ عامين. كنت في أحد الأماكن مع بعض الأصدقاء, ومن بينهم فتاة شديدة الجاذبية, متحدثة, لبقة, واثقة من نفسها, ويبدو من مظهرها أنها تنتمي إلى أسرة ثرية.. فتألقت نفسي الأمارة بالسوء, وبدأت في إرسال ذبذبات الإعجاب, فتلقفتها, وبادلتني إياها, فالطيور علي أشكالها تقع. تبادلنا أرقام الهواتف والاسطوانات المشروخة, وكلانا يعر ف النهاية مقدما, وإن كانت تلك الفتاة, شديدة الذكاء, عصية, فلم تلن بسهولة, بل أرهقتني أسابيع طويلة حتي تقبل أن تأتي لي في شقتي الخاصة التي استأجرتها في إحدى المدن الجديدة, بعيدا عن العيون, لهذا الهدف الحقير. حددنا الموعد, وذهبت في هذا اليوم مبكرا إلى الشقة, أعددت كل شيء في انتظار الغنيمة.. كان الوقت يمر بطيئا مملا حتي جاءني تليفونها قبل الموعد بربع ساعة, تخبرني أنها في الطريق, فتهلل وجهي وجلست علي نار مترقبا صوت جرس الباب مرة, وأخرى راصدا الطريق من شرفة الشقة. مر الوقت, نصف ساعة, ساعة, لم تأت.. أصابني القلق والتوتر, اتصلت بها فلم ترد.. فاتصلت مرة أخرى, ففوجئت بصوت رجل يرد علي, فقلت له يبدو إني أخطأت في الرقم, فاستمهلني الحديث, وسألني هل تعرف السيدة صاحبة هذا التليفون, فأجبته بتردد نعم.. فقال لي: بكل أسف, السيدة أصيبت في حادث إصابات بالغة, ونقلناها أنا وبعض المارة إلي المستشفى.. فأصبت بانهيار, ولم أصدق ما أسمعه, فسألته عن اسم المستشفى, فأخبرني, وهرولت مرتبكا إلى هناك. وصلت وكانت الفتاة قد دخلت الى غرفة العمليات, فحاولت الاطمئنان على حالتها, خاصة اني شاهدت ارتباكا وحركة غير طبيعية وهمهمات بين الأطباء والممرضين, فسألت عن المدير المسئول وذهبت اليه, وفهم اني أحد أقربائها خاصة بعد أن عرضت دفع مبلغ تحت الحساب.. بعد فترة صمت مريبة من الطبيب.. قال لي: قبل ان أشرح لك حالة قريبتك, لابد أن أخبرك بشيء مهم... قريبتك في حالة سيئة, ولديها كسور متعددة, ونزفت كثيرا, لذا فإنها ستحتاج إلي نقل دم, وفي هذه الحالات لابد أن نجري تحليلات لدمها, ليس فقط لأسباب طبية, ولكن للتأكد من أنها ليست مصابة بأي فيروسات معدية, ونتهم بعدها بأنها نقلت لها مع الدم.. والكارثة اننا اكتشفنا انها حاملة لفيروس الإيدز. إيدز.. ازاي, منين, انت بتهرج, إيدز ايه هكذا كنت أردد وأنا مذهول غير مصدق.. لم أنشغل بإصابتها, ولا بإذا كانت ستعيش أو تموت.. كل ما فكرت فيه اني كنت علي مسافة ربع ساعة فقط من اصابتي بالإيدز. لا أتذكر ماذا حدث, ولا كيف دفعت أموالا في المستشفي, أو اتصلت بالاصدقاء كي يخبروا أهلها للحضور إلى المستشفي. كل ما أتذكره, اني خرجت أكلم نفسي وأنا في صورة مفزعة, لم تفارق خيالي لحظة.. عدت إلى نفس الشقة,الشاهد على خطيئتي ونجاتي.دقائق فقط فصلتني عن الاصابة بالإيدز لو كان الله نجاها ووصلت إلى الشقة.. من المؤكد انها لا تعرف بأمر اصابتها.. ليس مهما هي, تعرف أو لا تعرف تلك قضيتها.. وقضيتي, هل كنت سأعرف أني سأحمل هذا الفيروس القاتل.. ياربي زوجتي ما ذنبها, كنت سأنقل اليها الإيدز.. نموت معا, بفضيحة.. المسكينة تموت بفضيحة, وأنا, بناتي واخوتي.. سترك يارب, عفوك يارب. لن أصف انهياري, وبكائي, وخجلي من ربي.. ما كل هذا الكرم, عصيتك فسترتني ورزقتني, فلم أبال, تحديت عفوك ورحمتك بمعصيتي.. وها أنا أوشكت على السقوط في وحل أعمالي بلا خروج, ولكنه برحمته الواسعة, وبلطف قضائه, انتشلني وانقذ أسرتي من الضياع والفضيحة. سجدت على الأرض, باكيا, مستغفرا... تطهرت وقضيت يومي مصليا, تائبا, لملمت نفسي, وعدت إلى بيتي... أغلقت غرفتي علي وعلى زوجتي, قبلت يديها وقدميها وأنا أبكي, طلبت منها أن تسامحني وتعفو عني, وعدتها بأن أكون كما تحب وكما كنت, فاحتضنتني وهي تبكي وترتجف, بدون أن تسألني عما حدث لي.. كانت رائعة كعادتها دوما, بعدها استدعيت ابنتي, احتضنتهما في صدري, وكأني أبحث عن أمان وطمأنينة لا أعرف الطريق اليهما, ثم سارعت بالذهاب الي أمي, جلست تحت قدميها, ورجوتها أن تدعو لي.. ففعلت وابتسامة الرضا وهالة النور تكسوان وجهها الآمن. لم أنم في تلك الليلة, عاهدت الله علي ألا أعصيه أبدا, وان استرضي كل من أخطأت في حقه أو هتكت عرضه ما حييت, وبدأت رحلة جديدة في الحياة. أكتب الآن بعد عامين مما حدث... مددت يدي بالخير لكل من آذيته, طلبت منهم السماح عن أي شيء بدر مني تجاههم, لم أفصح عما ارتكبت فقد سترني الله, فلما أهتك الأستار.. ليس في حياتي الآن, إلا أسرتي وعملي وفعل الخير.. انتهز أي فرصة لمد يد المساعدة لمن يحتاج ستسألني عن تلك الفتاة, وأقول لك بدون الخوض في التفاصيل اني ذهبت إليها مرة واحدة, بعد خروجها من العناية المركزة, ولم تكن تعلم وقتها بحقيقة مرضها بالإيدز.. ولكني رجوتها ان تسامحني وتتجاوز عن خطئي ودعوت لها بالهداية, وان علمت من الأصدقاء بعد ذلك انها اصيبت بالشلل وانهارت بعد معرفتها بما ألم بها, وقرر أهلها ان تسافر الي الخارج لتعيش في مصحة لتبتعد عن الأجواء القاسية التي تعيش فيها.. لم أكتب اليكم لأتطهر من خطاياي, فهذا أمر بيني وبين ربي, ولا أريد أن أسألكم عونا خاصا بالرأي أو بالنصيحة, وان كنت لا أستغني عنها, ولكني وجدت اني ملزم من خلال حكايتي, بتحذير كل شاب وفتاة من نهاية طريق المعصية, والتي لا يعرف أحد متى تأتي هذه النهاية المؤلمة وكيف تكون.. | |
|