المحبة والصداقة
بقلم قداسة البابا شنوده الثالث
الصداقة هي مشاعر مودة. يمكن أن تكون بين رجل ورجل. أو بين امرأة وامرأة. أو بين عائلة بكل أفرادها رجالاً ونساءً. مع عائلة أخري بكل أفرادها رجالاً ونساءً. ويمكن أن تكون بين الجنسين في حدود المودة الروحية. بشرط ألا يكون للجسد تدخل فيها.
والصديق ينبغي أن يكون صادقاً في صداقته.
ويكون أيضاً صدّيقاً. أي باراً. يقود صديقه إلي الخير.
***
فالصديق الذي يدافع عنك في أخطائك. ويثبتك فيها. ليس هو صديقاً بالحقيقة.
لأنه في ذلك لا يكون صادقاً ولا صدّيقاً.
ومحبته لك هي لون من المحبة الضارة.
لذلك عليك أن تنتقي اصدقاءك من النوع الذي لا يشترك معك إلا في عمل الخير. ولا يجاملك علي حساب الحق. ولا يشجعك علي خطأ.
***
أما المحبة فهي أعمق وهي موجهة أولاً إلي الله تبارك اسمه
نحبه لأنه أوجدنا. خلقنا ومنحنا الحياة. ولأنه يرعانا ويحوطنا بعنايته. وهو مصدر كل خير يصل إلينا. ولذلك فنحن نحبه ونهابه من كل القلب ومن كل الفكر.
وإن كان كل القلب لله. فما موضع باقي المحبات؟
كل محبة أخري تكون داخل محبة الله. وداخل وصاياه..
فكل محبة تتعارض مع محبة الله هي محبة خاطئة. وكذلك كل محبة تزيد عن محبتنا لله. سواء لشخص ما أو لشيء ما. هي محبة خاطئة وخطرة.
وتدخل في محبتنا لله. محبتنا لسمائه وملائكته. ومحبتنا لبيوت الله. وكتبه المقدسة. ومحبتنا لأنبيائه وقديسيه.. وللحياة الأخري.
***
والمحبة للبشر هي علي أنواع: طبيعية ومكتسبة
فالمحبة الطبيعية هي كالحب الذي يربط الأبناء بالوالدين.
وقد سألني البعض أيهما أقوي محبة الأب أو محبة الأم. فقلت: إن محبة الأم أعمق. ولكن محبة الأب أصدق. ويظهر صدق محبة الأب فيما يعاقب ابنه ويؤدبه. لخيره.. أما الأم فقد تخفي خطأ ابنها عن أبيه. حتي لا تعرضه لغضبه..!
أما المحبة المكتسبة. فهي كالمحبة بين الأصدقاء والزملاء والأقارب. أو المحبة بين خطيب وخطيبته. أو بين زوج وزوجته
ومن جهة محبة الوطن. فلا شك أنها محبة طبيعية.
***
ومن شروط المحبة الحقيقية. أن تكون عاقلة وحكيمة وروحية
لأن هناك ألوانا من المحبة الخاطئة قد تسبب ضرراً
والمحبة الحقيقية ينبغي أن تكون أيضاً محبة طاهرة. وهنا نفرق بين المحبة والشهوة. وأتذكر أنني قلت مرة في التمييز بينهما.
المحبة تريد دائماً أن تعطي. والشهوة تريد دائماً أن تأخذ
فالشهوة التي تريد دائماً أن تأخذ. تتصف دائماً بالأنانية. وقد تضيّع الطرف الآخر الذي تدعي انها تحبه! وقد تحبسه داخلها. وتحدّ حريته في الاتصال بالآخرين. وقد تتحول أحياناً إلي غيرة مدمرة!
إنها في الواقع ليست محبة حقيقية. فالمحبة الحقيقية تتصف بالعطاء والبذل. وقد تصل إلي التضحية بالذات لأجل من تحبه..
***
فانظر إلي نفسك في علاقتك مع الجنس الآخر: أهي علاقة حب أم شهوة؟
الشاب الذي "يحب" فتاة. فيضِّيع سمعتها. أو يفقدها عفتها:
هل تسمي هذا حباً أم شهوة؟! لو كان يحبها حقاً. لكان يحرص عليها: يحرص علي سمعتها كما يحرص علي سمعة اخته. ويحرص أيضاً علي شرفها. ويحرص علي مشاعرها. فلا يشغلها به ويعلقها بشخصه. وقد يتركها بعد ذلك حيره. لا تجد طريقها في الحياة. أو تجده مظلماً أمامها.. أنستطيع أن نسمي هذا حباً؟!
قد يسميه البعض مجرد تسلية في حياة الشاب!
ولكن ما هو ثمن هذه التسلية من الناحية الدينية. ومن الناحية الاجتماعية؟ هذه التسلية التي تشغل الفكر وقد تضيّع المستقبل! وقد تفقد الشاب والشابة نجاحهما في الدراسة أو تفوقهما. وليس في هذا أي حب لأحد منهما.
وما معني التسلية التي تُفقد فيها العفة والسمعة؟!
***
الحب الحقيقي لابد أن يرتبط بنقاوة القلب ولا يكون متعة للذات علي حساب الغير
والذي يحب إنساناً. لا يفقده نقاوة فكره ولا طهارة جسده. ولا يغتصبه منه لنفسه محبته لله وللفضيلة. ولا يتركه في صراع بين الجسد والروح. وبين محبته لله ومحبته للإنسان.
وإن كان حباً يقود إلي زواج. فهل الزواج الطاهر تسبقه الخطيئة؟! وهل الخطيئة توجد جواً من الثقة في الزواج فيما بعد؟! هذا إذا تم زواج فعلاً. أم كان الأمر مجرد خداع!
***
يذكرنا هذا بالمحبة الخاطئة.
والمحبة الضارة كمن يشجع إنساناً باسم المحبة علي السير في طريقه الخاطيء. أو يدافع عنه. أو يساعده مادياً أو معنوياً . فتكون النتيجة أنه يستمر في الخطأ. ويهلك. ويكون الذي شجعه مشتركاً معه في المسئولية وفي نتائج الخطأ وعقوبته. وفي نفس الوقت يكون هذا التشجيع ضد الحق. وضد الله. وتقف أمامنا هذه القاعدة:
"مُبريء الذنب. ومذنب البريُ. كلاهما مكرهة للرب"
فإن كنت تحب إنساناً حقاً. لا تدافع عنه في أخطائه. إنما حاول أن تنقذه من هذه الأخطاء وقيادته في الطريق السليم. وهكذا تخلصه من وصمة خطيئته. ومن عقوبتها. سواء علي الأرض أو في السماء. وأيضاًَ تخلّص نفسك من مسئولية الاشتراك معه.