جاء السيد المسيح ينشر الحب
بقلم قداسة البابا شنوده الثالث
أهنئكم يا أخوتي جميعا بميلاد السيد المسيح له المجد، فميلاده هو بدء خير للبشرية جمعاء.
لست أهنيء المسيحيين وحدهم، بل المصريين جميعاً، مسلمين ومسيحيين، شاكراً الرئيس محمد حسني مبارك الذي أمر بأن يكون عيد الميلاد عيداً وطنياً لمصر كلها.
إن احتفال المسيحيين ينبغي أن يرتفع بكل المقاييس فوق الأحزان، لأنه لولا ميلاد المسيح، ما كنا نحن مسيحيين، وما كانت لنا الكنائس المسيحية والأعياد المسيحية، والعقائد المسيحية. وعلينا أن نتبع التعاليم التي نادى بها المسيح.
وأول هذه كلها: أن السيد المسيح جاء ينشر الحب. وما أعمق قول أحمد شوقي أمير الشعراء:
ولد الحب
***
يوم مولد عيسى
?? نعم، إنه حتى السيد المسيح نفسه، كان حبا يتحرك في كل موضع مع جميع الناس. كل من إلتقى به، نال شيئاً من حبه، ومن عطفه وحنانه، ومن قلبه المملوء بالرقة وبالإشفاق على جميع الناس.
ولذلك قيل عنه إنه " كان يجول يصنع خيراً ". يري المرضى فيشفيهم، والجياع فيطعمهم، والمأسورين من الشياطين فيخرجها منهم. كان يريح الكل، لأنه يحب الكل ... فمثلاً يمر على مريض بيت حسدا، المشلول الراقد الي جوار البركة 38 سنة لا يهتم به أحد، فيتحنن عليه، ويقول له: " قُم احمل سريرك وامش " فيقوم ويمشي ... أو يرى أرملة نايين وهى تبكي علي ابنها وحيدها الذي مات، فيتحنن عليها ويقيم ذلك الابن ويدفعه إلى أمه.
?? وكان في محبته يهتم بكل المحتاجين. ويقول للمهتمين بهم: " كنت جوعاناً فأطعمتموني، عطشاناً فسقيتموني، عرياناً فكسوتموني، مريضاً فزرتموني، غريباً فآويتموني، محبوساً فأتيتم إليَّ ". وإذ يسألونه: " متى يارب رأيناك هكذا؟ ". فيجيبهم: " الحق أقول لكم: مهما فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر، فبي قد فعلتم ". وهكذا فإنه لما رأى الجموع تحنن عليهم، إذ كانوا منزعجين ومنطرحين كغنم لا راعي لها.
?? والسيد المسيح في محبته للكل، فاضت محبته أيضاً على الجماعات التي كانت مُستبعدة من اليهود فلا يتعامل معها. مثل السامريين الذين كانوا إذا وقع ظلّ واحد منهم على يهودي، يُنجِّسه! هؤلاء أشفق عليهم السيد المسيح. وقال لليهود مَثَل السامري الصالح الذي كان نبيلاً أكثر من الكاهن واللاوي وأشفق علي يهودي مُلقَى في الطريق جريحاً بين حي وميت .. وليس هذا فقط، بل زار السيد المسيح مدينة السامرة، وظلّ بأهلها حتى آمنوا.
ونفس الأمر مع الأُمم المحتقرين من اليهود، إذ قال عن قائد أُممي: " لم أجد في إسرائيل كله إيماناً مثل إيمان هذا الرجل ".
?? ومن اهتمام السيد المسيح بوصية المحبة، قال إنها الأولى في الناموس (أي في الشريعة) إذ تحب الرب إلهك من كل قلبك، وتحب قريبك كنفسك. وتعني كلمة " قريبك " كل إنسان. لأن كل البشر أقرباء، إذ أنهم جميعاً أبناء لأب واحد هو آدم، لأم واحدة هى حواء.
?? ووصلت قمة الدعوة إلى المحبة عند السيد المسيح إلى أنه قال: " أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلُّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويبغضونكم "، وإن سأل أحد قائلاً: ماذا أفعل إن لم أستطع أن أحب عدوي؟ فيكون الجواب: على الأقل إنك لا تكرهه، ولا تحمل له حقداً في قلبك. بل بالحري تسامحه، وتغفر له، وتُصلِّي لأجله.
** ومن اهتمام المسيح بالمحبة، أنه قال إن اللَّه محبة. وقال أيضاً: " هكذا أحب اللَّه العالم " أي أنه يحب الكل: يحب القريبين منه بسبب برّهم. ويحب أيضاً المبتعدين عنه، لكيما بحبه يجذبهم إليه. وذلك لأنه لا يشاء هلاك الخاطئ، مثلما أن يرجع ويحيا .. ولأنه لا يُعاملنا بحسب خطايانا، بل بحسب رحمته.
** ونحن أيضا نحب اللَّه، الذي أوجدنا إذ لم نكن، والذي يرعانا ويحفظنا، ولا نستطيع أن نحصي كل إحساناته إلينا. كما أنه قدم لنا أمثولة عملية في كل فضيلة إلى اكتسابها. إلهنا الغفور الطيب.
وفي محبتنا للَّه، نطيعه ولا نخطئ إليه ولا إلى أي واحد من رعيته. بل نحاول في كل وقت أن ننفذ مشيئته الإلهية في حدود إمكانياتنا، وأن نفعل في كل حين ما يُرضيه.
?? وفي نطاق وصية الحب، علَّمنا السيد المسيح أن نحب الخير، ونحب الغير. ويقول لنا الكتاب: " إن كنت لا تحب أخاك الذي تراه، فكيف إذن تحب اللَّه الذي لا تراه؟! ". إذن فعدم محبتنا للناس، تعني ضمناً عدم محبة للَّه الذي خلقهم والذي يهتم بهم جميعاً.
?? والمفروض أن تكون محبتنا للغير محبة عملية. فالكتاب يقول: " لا نحب بالكلام أو باللسان، بل بالعمل والحق ". وأن تكون أيضاً محبة صادقة حقيقية، لا رياء فيها. ولا مظهرية. وأن تكون محبة دائمة، تبدأ حيناً ثم تختفي. لأن السيد المسيح يعاتب مَن يفعل هذا قائلاً له: " عندي عليك أنك تركت محبتك الأولي ". ويجب أيضاً أن تكون محبة للجميع، وإلا صارت لوناً من التحيُّز. وأن نحب فيها الغرباء كما نحب الأقرباء.
?? ويُعلِّمنا الكتاب أيضاً أن المحبة بطبيعتها تكون بعيدة عن الحقد والإيذاء، وأن المحبة تحتمل، ولا تطلب ما لنفسها، بل ما للغير. والمحبة أيضاً تظهر في العطاء الذي يصل في قمته إلى البذل، بل إلى حد بذل الذات لأجل الغير.
?? ليتنا نعيش في هذا الحب الذي علَّمنا المسيح إيَّاه. فنحب بعضنا بعضاً، ونحب هذا الوطن العزيز الذي نعيش فيه ويعيش فينا، ونطلب له السلام من جميع الأعداء المتربصين بنا.