لمحات على بعض التقاليد في عيد الميلاد
في إيطاليا:
تُهيّئ الأُسَر الإيطالية المؤمنة، بضعة أيام قبل الميلاد، مغارة بيت لحم في إحدى غرف البيت، فتفتنّ بتنسيق التماثيل الصغيرة الممثلِّة القديس يوسف ومريم العذراء والملاك المبشِّر والمجوس والرعاة، دون أن تُغفل الحمار والبقرات المحيطة بالمذود المقدس... كما أن الإيطاليين يرتاحون إلى غرس أشجار النخيل الصغيرة، وإلى بثّ تماثيل الجِمالَ هنا وهناك في المغارة، ليُضفوا على المشهد صبغة شرقيّة تستثير الخيال.
وفوق المغارة يتألَّق النجم الميلاديّ، غامراً المكان بأشعّته الحمراء الدافئة الناعسة الخاشعة...
يشرح الأهل لأبنائهم الصغار، طوال السهرات العيليّة التي تسبق العيد، في هدأة الليل وسحره، وفي غمرة من العطف والحنان، معاني المغارة السامية، والفضائل السنيّة المنبثقة منها، من محبّة وتواضع وبذل وسخاء، مستفيضين في ما ترمز إليه التماثيل الصغيرة.
وما إن تدقّ الساعة الثانية عشرة من ليلة العيد، حتى ينهض جميع أهل البيت من رقادهم، صغاراً وكباراً، فيرتدون أفخر الثياب، ثم يتحلّقون حول المغارة، مرنِّمين ترانيم الميلاد، فيضجعون الطفل الإلهيّ في مذوده، وينضحونه بمشاعر الحبّ والتفدِيَة، ويستمطرون بركته على السنة المقبلة.
وفي بعض الكنائس تكون المغارة رحيبة، فيبلغ تماثيلها الحجم البشريّ، منحوتة نحتاً فنيّاً رائعاً، وكأنّ النُطق لا يُعيبها... وكلّنا نعلم المقام السامق الذي يحتلّه الفنانون الإطاليون في مجال النحت والرسم والتزويق...
يرجع تاريخ هذه المغارة إلى القديس فرنسيس الأسيزي، في القرن الحادي عشر، إذ هو أوّل من صنع تماثيل المغارة، فآنسَ فيها لنفسه ولنفوس المؤمنين مبعثاً للتقوى والفضيلة. وراحت هذه العادة تنتشر شيئاً فشيئاً في أرجاء إيطاليا، ثم في الأرض كلّها.
وتستبدل بعض الأُسَر الإيطالية بالمغارة شجرةَ العيد التي أبصرت النور في القرن الثاني عشر، فنبتت أوّلَ ما نبتت في البيوت الألمانية. إنها تمثّل شجرة الفردوس الوارد ذكرها في الكتاب المقدّس. فقد نهى الله تعالى أبوينا الأوّلين، آدم وحواء، عن الأكل منها، وهي ترمز بيانع ثمارها الأخّاذة إلى الشهوة المحرّمة.
وكان أن سقط أبوانا الأوّلان في التجربة، فطردهما الله من الفردوس، وجعل لهما الآلام على أنواعها نصيباً من هذه الفانية. إلاّ أنّه، تعالى، عاد فوعدهما بالمسيح المخلِّص... لقد كان الألمان، ومن بعدهم الشعوب قاطبة، ينعمون النظر في هذه التعاليم والحقائق والأسرار، من خلال شجرة الميلاد، ويتَّعظون بها، وهم ينتظرون مجيء المخلص، الطفل الإلهيّ.