الرؤيا 3 - تفسير سفر الرؤيا
الآيات 1-6 "و اكتب إلى ملاك الكنيسة التي في ساردس هذا يقوله الذي له سبعة ارواح الله و السبعة الكواكب انا عارف اعمالك ان لك اسما انك حي و انت ميت. كن ساهرا و شدد ما بقي الذي هو عتيد ان يموت لاني لم اجد اعمالك كاملة امام الله. فاذكر كيف اخذت و سمعت و احفظ و تب فاني ان لم تسهر اقدم عليك كلص و لا تعلم اية ساعة اقدم عليك. عندك اسماء قليلة في ساردس لم ينجسوا ثيابهم فسيمشون معي في ثياب بيض لانهم مستحقون. من يغلب فذلك سيلبس ثيابا بيضا و لن امحو اسمه من سفر الحياة و ساعترف باسمه امام ابي و امام ملائكته. من له اذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس".
كنيسة ساردس
كلمة ساردس تعنى بقية ولنذكر أن الكنيسة السابقة كان إسمها المسرح. فبعد أن دخلت المظهرية والحياة السطحية إلى الكنيسة،لم يتبق في الكنيسة سوى عدد قليل من المؤمنين. فالحياة السطحية والمظهرية هي حياة بلا عمق وهذا يؤدى إلى عدم معرفة الله وبالتالى يؤدى إلى عدم محبة الله ومن يحيا هكذا:
1. لن ينفذ وصايا الله، فالحب هو الذي يدفع لتنفيذ الوصايا (يو 23:14).
2. مثل هذا أيضا تجذبه إغراءات هذا العالم فيتنجس إذ لم يكتشف اللؤلؤة كثيرة الثمن أى شخص المسيح. فيبيع بقية الآلىء (العالم بملذاته).
لذلك طلب المسيح من تلاميذه ومنا أن ندخل إلى العمق، عمق المعرفة وعمق المحبة
أما من عاش في السطحية بلا عمق معرفة ولا عمق حب فهو لن يعود يهتم برأى الله فيه، بل كل إهتمامه سيكون في رأى الناس فيه، وهذا ما يسمى الرياء. وهذا هو مشكلة هذه الكنيسة لك إسم أنك حى وأنت ميت. مثل هذا الإنسان يهتم أن يراه الناس كإنسان عظيم متدين = حى ولكنه بسبب قلبه الخالى من المحبة هو إنسان في نظر الله ميت. ولاحظ قول السيد المسيح في مثل الإبن الضال عن عودة الإبن الضال بالتوبة أنه كان ميتا فعاش. إذاً من يحيا في الخطية يكون ميتا في نظر الله. وما الذي يجعل إنسانا يحيا في الخطية؟ الإجابة هي نقص المحبة (يو 23:14).
ولنلاحظ أن كل إنسان له خمس حواس خارجية يتعرف بها على العالم ومن تتعطل حواسه الخمس عن العمل فهو بالقطع ميت. وكما أن لنا حواس خارجية ندرك بها العالم حولنا، فنحن لنا حواس داخلية ندرك بها السماء ونتعرف بها على الله. فبالمعمودية يولد داخلنا إنسان داخلى له خمس حواس داخلية يتعرف بها على الله وعلى السماء. بها نرى الله ونسمع صوته ونتذوق حلاوة عشرته ونتلامس معه. الحواس الداخلية هي قنوات إتصالنا بالله وبالسماء.
فالكتاب يقول طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله (مت8:5) هذا عن النظر الروحى ويقول الكتاب من له أذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس (رؤ6:3) والخراف تتبع المسيح لأنها تعرف صوته (يو4:10) وهذا عن السمع الروحى.
ويقول داود "ذوقوا وأنظروا ما أطيب الرب" (مز8:34) وهذا عن تذوق عشرة الله ونذكر أن الرب يسوع خرجت منه قوة للشفاء لأن إمرأة لمسته لمسة فيها إيمان وهكذا من يتلامس مع الله تلامس فيه إيمان سيدرك قوته ومحبته.
ولكن ما الذي يمنع هذه الحواس من العمل؟ الإجابة هي الخطية. فنحن نسمع أن من يريد أن يرى الله يلزم أن يكون نقيا (مت8:5). ويطلب منا بولس الرسول قائلا "إتبعوا السلام مع الجميع والقداسة التي بدونها لن يرى أحد الرب" (عب14:12).
إذا فالخطية هي التي تسبب فقدان الحواس الداخلية. ومن يفقد حواسه الداخلية فهو فى نظر الله ميت إذ لا قنوات إتصال بالله، فهو لا يرى الله ولا يسمع صوته ولا يتلذذ بعشرته، وبالتالى فلن يكتشف اللؤلؤة كثيرة الثمن. أما المؤمن الذي يحيا فى نقاوة فيستطيع أن يقول مع يوحنا "الذى كان من البدء الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا الذي شاهدناه ولمسته أيدينا". (1يو1:1).
إذاً مشكلة هذه الكنيسة أن بها أشخاص هم أحياء في نظر الناس إذ:
1. ربما لسمعتهم القديمة.
2. أو ربما لريائهم إذ يتظاهرون بالتدين.
لكنهم في نظر الله أموات فهم بلا عمق وبالتالى بلا معرفة وبالتالى بلا حب. حتى لو كان لهم نشاط كنسى لذلك فالمسيح لم يبدأ كلامه لهذه الكنيسة باى مدح، بل بدأ بالهجوم عليهم مباشرة وعتابهم والسبب أنهم أخذوا مدحهم من الناس وهم غير مهتمين برأى الله فيهم. ولاحظ قول المسيح هنا عندك أسماء قليلة (أى البقية) فى ساردس لم ينجسوا ثيابهم = إذاً فالسبب أنهم أموات في نظر الله لأنهم يحيون في نجاسة.
من يغلب = هو من يحيا في العمق فيعرف الله ويحبه وبالتالى ينفذ وصاياه ويتحاشى الخطية فلا ينجس ثيابه بمحبة هذا العالم. من ينجح في هذا ويغلب فسيعطيه السيد أن يتبرر أمامه ويغفر خطاياه، ويعطيه حياة جديدة نقية، هؤلاء قال عنهم فسيمشون معى في ثياب بيض لأنهم مستحقون. إذا من يسير في الطريق الصحيح وهم قلة يرثوا مع المسيح في مجده.
الصورة التي ظهر بها المسيح:- الذى له سبعة أرواح الله = أي الذي له الروح القدس المحيى. فهو يكلم أشخاص أموات محتاجين لمن يحييهم، لذلك يقول لهم أنا مستعد أن أعطيكم الروح القدس الذي يحييكم. والروح القدس هو الذي يبكت على الخطية (يو8:16) ويدفع الخاطىء للتوبة لذلك نصلى "توبنى يا رب فأتوب" (أر18:31). وهو يعين ضعفاتنا (رو26:8) أي بعد أن يبكت يعطى قوة ومعرفة. وكأن المسيح يقول لهذه الكنيسة ما عليكم إلا أن تطلبوا منى الإمتلاء من الروح وأنا أعطيكم فتحيوا. فالروح القدس يعطى لمن يسألونه (لو13:11) ومن يسأل يعطى له الروح ومن يتجاوب مع عمله تعود حواسه الداخلية للعمل هذه الحواس يدربها الروح القدس فتتصل بالسماويات (عب14:5).
والروح القدس أيضا يعلمنا ويذكرنا بما قاله المسيح (يو26:14). ومن قدم توبة تنفتح أذناه فيسمع صوت الروح القدس المعلم. ومن يتوب ويتعلم ينتقل للدرجة الأعلى وتنفتح عيناه ليرى ما لم تره عين. يرى أمجاد السماء الآن كمن ينظر في مرآة (1كو9:2-12) + (1كو12:13). فعندما يسير المؤمن في طريق القداسة يرتقى من خطوة إلى خطوة. ومن يبدأ بالتوبة يصل لأن يمنحه الروح أن يكون له فكر المسيح (1كو16:2) ويكشف له أمجاد السموات ولكن هذا لا يعطى إلا لمن إستجاب للخطوة الأولى أولاً أي قدم توبة. فلا يمكن لإنسان أن يبنى الدور العاشر إن لم يبنى أولاً الدور الأول.
له السبعة الكواكب = المسيح يقول أنتم لى، فلماذا أنتم مهتمون برأى الناس فيكم فانتم لى ولستم للناس. وأنا قادر أن أمنحكم الروح القدس، ولكن لا أستطيع أن أعمل شيئا بدون أن تطلبوا "إسألوا تعطوا" فلنسأل الله أن يملأنا من الروح القدس. ولنهتم فيما لله وليس فيما للناس.
ومن كلمات عتاب السيد المسيح لهذا الأسقف = لم أجد أعمالك كاملة أمام الله = كان إهتمامك بأن تكون كاملا أمام الناس. لكن أنا فاحص القلوب والكلى، وأنا أعلم ما في قلبك، أنا أعلم ما في الداخل. والمهم أن يكون المدح من الله وليس من الناس فتقديرات الناس يمكن أن تخدع، فهم يجهلون الحقيقة أو هم يجاملون ليس بحسب الحقيقة. وهذه الآية رد على من يقولون أن الخلاص بالإيمان ولا أهمية للأعمال ونصائح السيد لهذا الأسقف:
1. أسهر = كن ساهرا وكن مستعدا لملاقاة الرب في يقظة وإنتباه ووعى وإدراك.
2. شدد ما بقى = الله يطلب منه أن يضرم نار الروح القدس والله لا يترك فتيلة مدخنة بل يعمل فيها حتى لا تنطفىء، ولا يترك قصبة مرضوضة بل يتعهدها برعايته حتى لا تنقصف. ولكن دورى أنا أن أجاهد وأعمل وأطلب بلجاجة والله يسكب على نعمته أي روحه القدوس. والجهاد يضرم فينا نار الروح القدس.
3. أذكر كيف أخذت = تذكر إحسانات الله عليك، وكيف أعطاك بسخاء ولم يعير، بل كان الله يعطيك بكل محبة. وأذكر ماذا قدمت أنت له وأذكر الإيمان الصحيح الذي تسلمته ولا تشوهه.
4. تذكر أن يوم الدينونة ياتى بلا سابق إنذار أي فجأة = أقدم عليك كلص.
5. إذا من نصائح الله لهذا الملاك أنه عليه أن يذكر كيف أخذ، أي يذكر إحسانات الله عليه فيخجل، أو يذكر يوم الدينونة فيندم إذ يذكر أن أعماله كانت ناقصة. ويوم الدينونة الذي ياتى فيه الرب كلص ليس هو يوم الدينونة العامة لكن هو يوم يموت أى شخص
6. كيف سمعت.. وأحفظ = كيف سمعت البشارة التي بشر بها رسل المسيح وتذكر كيف كنت عند بداية إيمانك وإحفظ إيمانك وتقواك الأوليين وهذا يحتاج لتوبة نرى هنا صورة سبق الله واراها لحزقيال، إذ رأى عظاما ميتة، وعندما دخل فيها الروح صار لها حياة(حز1:37-10). ونرى هنا إهتمام الله بكل نفس حتى هذا الملاك الذي يراه ميتا، فهو يهتم به ويرسل له رسالة ويعطيه فرصة ليغلب ويحيا لذلك فعلى كل خادم أن يعطى رجاء لكل إنسان.
ما بقى = الكنيسة لم يتبق بها سوى بقية قليلة، إدركهم يا أسقف حتى لا يموتوا.
عتيد أن يموت = هم في طريقهم للموت، وقد إقتربوا من الهلاك فإدركهم
والوعد لهذه الكنيسة لمن يغلب:-
الثياب البيض = أى تبرير= مسح كل خطية وهذه الثياب البيض أعطاها الأب للإبن الضال حين عاد فالتوبة تبيض. والثياب البيض تعطى لمن يستحق ويجاهد ليحفظ ثيابه بلا نجاسة.
لن أمحو إسمه من سفر الحياة = بالمعمودية تكتب أسماؤنا في سفر الحياة. وإذا كانت حياتى حياة توبة مستمرة تستمر ثيابى نقية "تغسلنى فأبيض أكثر من الثلج" أي أن من يتجاوب مع عمل الروح القدس لن يمحى إسمه من سفر الحياة الأبدية.
سأعترف بإسمه = أشهد بإخلاصه أمام أبى،و يكون من خاصتى ومكانه معى.
يمشون = إذاً الملكوت ليس حالة من السكون بل نشاط وحركة.
قوله من يغلب يلبس ثياب هو إشارة لما كان يفعله القادة الرومان، إذ كانوا إذا وجدوا جنديا نائما يحرقون ملابسه ويجعلونه يمشى عاريا. إذاً هذه الكنيسة محتاجة للسهر والصلاة للإمتلاء بالروح فلا يفتضحوا.
ولاحظ في قوله لن أمحو إذاً هناك من ستمحى أسماءهم لأنهم وجدوا غير مستحقين.
آيات 7-13 "و اكتب إلى ملاك الكنيسة التي في فيلادلفيا هذا يقوله القدوس الحق الذي له مفتاح داود الذي يفتح و لا احد يغلق و يغلق و لا احد يفتح. انا عارف اعمالك هنذا قد جعلت امامك بابا مفتوحا و لا يستطيع احد ان يغلقه لان لك قوة يسيرة و قد حفظت كلمتي و لم تنكر اسمي. هنذا اجعل الذين من مجمع الشيطان من القائلين انهم يهود و ليسوا يهودا بل يكذبون هنذا اصيرهم ياتون و يسجدون امام رجليك و يعرفون اني انا احببتك. لانك حفظت كلمة صبري انا ايضا ساحفظك من ساعة التجربة العتيدة ان تاتي على العالم كله لتجرب الساكنين على الارض. ها انا اتي سريعا تمسك بما عندك لئلا ياخذ احد اكليلك. من يغلب فساجعله عمودا في هيكل الهي و لا يعود يخرج إلى خارج و اكتب عليه اسم الهي و اسم مدينة الهي اورشليم الجديدة النازلة من السماء من عند الهي و اسمي الجديد. من له اذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس".