يقضي الإنسان ثلث عمره نائماً، ومنذ اللحظة الأولى التي يغمض فيها عينيه ويصبح في حالة من اللاوعي تحدث عدة وظائف للجسم تعود عليه بالنفع، مما يجعل وقت النوم بالنسبة له مفيداً .
ويعتبر وقت النوم هو الوقت الأمثل لتخلص الجسم من السموم وإعادة بناء الخلايا التالفة . ويرتبط النوم القليل بالصحة الضعيفة، فالأشخاص الذين ينامون أقل من 6 ساعات ليلاً من المتوقع أن يكون عمرهم أقصر من الآخرين الذين ينامون فترات أطول، ولذلك فالنوم له تأثير عميق في حالتنا المزاجية والعاطفية والجسمانية . فكيف يعمل الجسم أثناء النوم .
الدماغ
يعتبر النوم هو حالة من الخمول والسكون، وفي المراحل الأولى من النوم يحدث انخفاض لنشاط القشرة الخارجية للمخ بنسبة 40 %، بينما في المراحل الأخيرة من الليل يبقى المخ في حالة نشاط أكبر .
ويمر النوم في الليل بخمس دورات مختلفة، تستمر كل منها لمدة 90 دقيقة، ويحدث في المراحل الأربع الأولى من كل دورة النوم الهادئ والذي لا تحدث فيه حركات سريعة للعين بينما المرحلة الأخيرة يحدث فيها حركات سريعة للعين . وتحدث موجات مخية صغيرة أثناء المرحلة الأولى من النوم، وفي المرحلة الثانية تكون هذه الموجات مرصعة بإشارات كهربائية يطلق عليها محور دوران النوم، ويحدث فيها نشاط صغير يدوم لمدة ثانيتين يجعل الجسم في حالة سكون .
وتؤهلنا المرحلة الثانية للمرحلة الثالثة حيث تستمر موجات المخ في التعمق نحو تكوين موجات كبيرة وبطيئة وكلما كانت هذه الموجات بطيئة وكبيرة كان النوم أعمق، ونصل للمرحلة الرابعة عندما تكون 50% من الموجات بطيئة .
وعند هذه المرحلة نكون قد استنفذنا كل المجهود العقلي، ويتحول 40% من الدم الذي يضخ إلى المخ إلى العضلات، ومع ذلك يكون هناك نشاط عقلي زائد أثناء حركة العين السريعة .
وترتبط هذه المرحلة بالحلم ويحفزها جزء من جذر المخ ينقل النبضات العصبية بين الحبل الشوكي والمخ والمناطق المجاورة .
ويرسل هذا الجزء إشارات إلى المهاد البصري والقشرة الدماغية المسؤولة عن معظم عمليات التفكير، كما يرسل أيضا إشارات لغلق الخلايا العصبية التي تعمل في الحبل الشوكي مسبباً نوعاً من الشلل المؤقت يمنع التفاعل مع الحلم .
ويساعد النوم الذي يحدث فيه حركة سريعة للعين على تقوية الذاكرة والعواطف، لأنه عند هذه المرحلة من النوم يتدفق الدم بحدة في مناطق عديدة من المخ ترتبط بالذاكرة والعاطفة، أما المناطق التي تشمل اللغة والعقل يقل تدفق الدم فيها .
العيون
على الرغم من أن العيون تكون مغلقة اثناء النوم، فإن حركاتها تشير إلى المراحل المختلفة منه .
ففي البداية عند الدخول في مرحلة شبه الوعي تتقلب العين . وعندما ننتقل إلى مرحلة النوم العميق تحدث الحركة السريعة للعين والتي تنتفض فيها بقوة . وتحدث خلال 90 دقيقة من النوم وتتكرر كل 90 دقيقة أخرى خلال الليل . وتشير إلى الوقت الذي يحدث فيه الحلم .
وعلى الرغم من أن نشاط المخ يزيد عند هذه المرحلة، إلا أن عضلات الجسم تكون في حالة استرخاء أو شلل فعلي .
ويرى بعض الخبراء أنه عند تلك المرحلة من الممكن أن يكتشف العقل مملكة اللاوعي من دون الاعتماد على الأحداث التي تحدث في الأحلام .
الهرمونات
يحرق الجسم كمية من الأكسجين والغذاء لتزويده بالطاقة وتعرف هذه العملية ب”الأيض الهدمي”، ويحدث ذلك أثناء ساعات الاستيقاظ، حيث يفقد الجسم كميات كبيرة من الطاقة أكثر من التي يحتفظ بها . وفي هذه المرحلة يتم تحفيز بعض الهرمونات مثل الأدرينالين والكورتيسترويد الطبيعي، وعندما ننام ننتقل إلى حالة التمثيل الغذائي والتي يتم فيها الاحتفاظ بالطاقة وحدوث عمليات الإصلاح والنمو . وتنخفض فيها مستويات الأدرينالين والكورتيسترويد ويبدأ الجسم في إنتاج هرمون النمو .
ويساعد هرمون البروتين وهو هرمون النمو على عمليات النمو وإعادة بناء الخلايا التالفة في العضلات والعظام من خلال تسهيل استخدام الأحماض الأمينية والتي تعتبر قوالب البناء الأساسية لإنتاج البروتين،ويتم تجديد كل نسيج من أنسجة الجسم بشكل أسرع أثناء النوم عن أي وقت آخر أثناء الاستيقاظ .
كما يتم أيضاً إنتاج هرمون الميلاتونين والذي يساعد على النوم، وتفرزه الغدة الصنوبرية الموجودة في المخ، ويساعد على ضبط إيقاع الجسم ودورات النوم والاستيقاظ .
وترتفع مستويات الميلاتونين عندما تقل درجة حرارة الجسم فتحفز الشعور بالنوم . ويحدث العكس عند الاستيقاظ . وتفرز الهرمونات الجنسية مثل التيستيرون وهرمونات الخصوبة فقط أثناء النوم .
جهاز المناعة
تشير الأبحاث إلى أن النوم الكثير أثناء فترات الإصابة بالمرض يساعد على الشفاء، ويرجع ذلك إلى إنتاج جهاز المناعة لبعض البروتينات أثناء النوم بشكل زائد، حيث تزداد المحفزات التي تحارب المرض أثناء النوم وتقل عند الاستيقاظ .
ويساعد النوم لفترات أطول في مقاومة أعراض المرض، وأظهرت بعض الدراسات التي أجريت على بعض البالغين الأصحاء أن حرمان الجسم من كميات معتدلة من النوم يؤدي إلى تقليل مستويات خلايا الدم البيضاء والتي تشكل جزءا من جهاز الدفاع في الجسم .
ويتم ضخ قاتل السرطان،والذي يطلق عليه عامل نخر الورم، في الأوردة أثناء النوم . وتؤكد الأبحاث أن الأشخاص الذين يسهرون حتى الساعة الثالثة صباحا تكون خلايا مقاومة السرطان لديهم أقل بمقدار الثلث وكفاءتها ضعيفة .
ومثلما أن العالم محكوم بالليل والنهار، فإن الإنسان أيضاً لديه ساعة إيقاعية لبناء الجسم تعرف باسم “الساعة البيولوجية” .
وهذه الساعة موجودة في منطقة تسمى الهايبوثالامس (ما تحت السرسر البصري) وترتكز في قاع المخ وتسبب اضطرابات في عديد من أنشطة الجسم لمدة 24 ساعة، كما تضبط التغير اليومي للجسم بين حالتي النوم والاستيقاظ، وتعمل في دورة لمدة 24 ساعة لتجعل الجسم يعرف وقت النوم .
وتنظم الساعة الإيقاعية (البيولوجية) كل عمليات الجسم بدءا من عملية الهضم وحتى تجديد الخلايا، وكل هذه الإيقاعات تحفزها حركة شبكة موصلات كيميائية وأعصاب تحكمها هذه الساعة .
وتقوم ساعة الجسم بتنظيم إنتاج الهرمون لضمان النوم المنتظم في الليل، وبذلك يشعر الجسم بحالة الاستيقاظ والانتباه أثناء اليوم ويستعد لاسترجاع النوم في الليل .
حرارة الجسم
تبدأ حرارة الجسم في المساء في الانخفاض متزامنة مع انخفاض مستوى هرمون الاستيقاظ (الأدرينالين) في الجسم، حيث يفقد الجسم قدرته على الحركة ويحاول أن يقاوم فقد الحرارة .
وتستمر حرارة الجسم في الانخفاض خلال فترات الليل، وعند الساعة الخامسة صباحا تنخفض بمقدار درجة أقل من التي كان عليها الجسم في المساء . وفي نفس الوقت ينخفض معدل البناء أيضاً، وهو أكثر وقت يشعر فيه الجسم بالإرهاق حيث يتزامن انخفاض حرارة الجسم مع انخفاض معدل الأدرينالين . ويزيد انخفاض حرارة الجسم من النوم العميق، الذي يعطي الجسم الفرصة للراحة وإعادة البناء .وعندما تبدأ حرارة الجسم في الارتفاع يكون من الصعب الاستمرار في النوم .
الجلد
تتكون الطبقة العليا من الجلد من خلايا ميتة سميكة تفرز بانتظام أثناء النهار . ويتضاعف معدل البناء للجلد وكذلك يزيد إنتاج عديد من خلايا الجسم أثناء النوم العميق ويقل البروتين . والبروتين هو قوالب البناء المطلوبة لنمو الخلايا التي تقوم بإصلاح أي خسائر تحدث مثل تعرض الجلد للأشعة فوق البنفسجية، لذلك يساعد النوم العميق على الاحتفاظ بالجمال .
ولا يعوض النوم أثناء النهار خسارة النوم الليلي لأن الطاقة اللازمة لإصلاح الأنسجة لا تكون متاحة خلال النهار .
التنفس
عندما نغط في النوم تبدأ عضلات الحنجرة في الاسترخاء وتضيق في كل مرة نتنفس فيها، ويحدث اهتزاز في أجزاء من مجرى الهواء بسبب مقاومته لعملية التنفس، ويمر الهواء بالقوة من خلال ممر هوائي ضيق مسبباً اهتزازات للحنك واللهاة .
وهؤلاء الذين يشخرون أثناء النوم من المحتمل أن تكون عضلات اللسان والحنجرة عندهم ضعيفة، مما يسمح لقاعدة اللسان بالسقوط في مجرى الهواء . وكون الشخص من ذوي الأوزان الثقيلة أو لديه تضخم في اللوز أو عنده الغدد فكل ذلك يؤدي إلى الشخير . ولذلك يؤدي التنفس الضعيف أثناء النوم إلى الاختناق .
وتؤدي عملية الاختناق أثناء النوم إلى تدمير القصبة الهوائية، وذلك عندما تكون العضلات في حالة استرخاء، ويحدث ذلك غالبا لدى الأشخاص ذوي السمنة والعضلات الضعيفة والشيخوخة . ويغلق مجرى الهواء من10 ثوانٍ وحتى دقيقة في الوقت الذي يحاول فيه الشخص النائم أن يتنفس بصعوبة . وعندما تحدث استجابة من المخ ينخفض مستوى الأكسجين في الدم عند الشخص النائم، ووقتها تضيق عضلات مجرى الهواء العلوية وتفتح القصبة الهوائية . ويظهر ذلك في حالة الشخير أو اللهاث قبل استئناف النوم .
الفم
يعتبر اللعاب ضرورياً لتحريك الفم والأكل، ويقل تدفق اللعاب أثناء النوم مما يسبب جفافاً للفم في الصباح .
ويكون الفم في حالة نشاط أثناء النوم حيث يقوم واحد من بين 20 شخصاً بالغاً بطحن أسنانه أثناء الليل . وتحدث هذه العملية أثناء المرحلة الأولى والثانية من النوم، حيث تطبق الأسنان داخل الفك، ويعتقد أنها حالة استرخاء ليلي من الإجهاد اليومي.
العضلات
على الرغم من أن الشخص يستطيع تغيير وضع نومه كل 35 دقيقة أثناء الليل إلا أن عضلات الجسم تبقى في حالة استرخاء . مما يعطي الفرصة للأنسجة لإعادة إصلاح نفسها وتجديدها .
وعلى الرغم من ذلك فإن الدراسات أشارت إلى أن العضلات ربما تكون في حالة استرخاء أكثر وإعادة بناء أثناء فترات الراحة البسيطة ولذلك ليس من الضروري إيجاد حالة من اللاوعي لحدوث ذلك .
الدم
ينخفض معدل ضربات القلب ما بين 10 إلى 30 ضربة في الدقيقة أثناء النوم . وهو ما يؤدي إلى حدوث انخفاض في ضغط الدم يسبب حالة الاستغراق في النوم . ويتدفق الدم من المخ ويمتد إلى الشرايين مما يؤدي إلى تضخم الأطراف .
ويعتقد بعض العلماء أن النوم هو أحد الأشكال المعتدلة لتخليص الجسم من السموم، لأنه يتم إلقاء الأنسجة التالفة أثناء اليوم في مجرى الدم . وفي حالة الاستيقاظ يتم التخلص منها عن طريق الرئة والكلى والأمعاء والجلد .
وأثناء النوم تبدو الخلايا والأنسجة التي تتلف وتنتج مخلفات سامة أقل نشاطا مما يعطي الفرصة لهذه الأنسجة التالفة بإعادة بناء نفسها .
الجهاز الهضمي
يتطلب الجسم إمداده بشكل منتظم بالطاقة، ويعد الجلوكوز هو المصدر الرئيسي للطاقة، ويحرق بشكل ثابت لإنتاج الطاقة اللازمة لانقباض العضلات واندفاع العصب وتنظيم درجة حرارة الجسم .
وعند النوم يكون احتياج الجسم للاحتفاظ بالطاقة قليل، ولذلك يضعف عمل الجهاز الهضمي ويصل إلى حالة الركود .
و لذلك لا يوصى بالأكل في وقت متأخر أثناء الليل لأن الحالة غير النشطة التي يكون عليها الجسم تمنع الإنزيمات وأحماض المعدة من تحويل الأكل إلى طاقة . وهو ما يسبب الإحساس بالتخدير ولانتفاخ