أحبهم إلى المنتهى
أما يسوع، قبل عيد الفصح، وهو عالم أن ساعته قد جاءت لينتقل من هذا العالم إلي الآب، إذ كان قد أحب خاصته الذين في العالم، أحبهم إلي المنتهي ( يو 13: 1 )
هنا نجد المناسبة التي تطلبت حديث الرب الوداعي لتلاميذه، وحاجة خاصته إليه، والدافع الذي حرّك الرب للنُطق بهذه الأقوال.
أما المناسبة، فهي أن ساعته كانت قد جاءت لينتقل من هذا العالم إلي الآب. لقد تكلم الرب عن ”ساعات“ أخرى في حياته علي الأرض، أما الساعة التي استدعت هذه الكلمات الوداعية فلها صفة أخرى: إنها ليست ساعة النعمة للخطاة، ولا ساعة آلامه من أجل الخطاة، ولا هي ساعة ظهوره للعالم؛ ولكنها ساعة عودته إلي مجده، لينتقل من هذا العالم إلي الآب، إلي مكان المحبة والقداسة في بيت الآب.
ولقد كان مزمعًا أن يترك التلاميذ في هذا العالم الشرير الذي أبغض الآب ورفض المسيح. ولذلك كانوا يحتاجون إلي خدمة النعمة الأخيرة هذه، بما فيها من تعليم وتعزية وتحذيرات، حتى يُحفظوا من شر هذا العالم الذي يعبرون فيه، وحتى يتمكنوا من التمتع بالشركة معه، وهو هناك في بيت الآب حيث المحبة والقداسة.
وعلاوة علي ذلك، فإننا نرى الدافع الذي حرّك الرب لأن يتكلم بهذه الكلمات الوداعية، وأن يرفع للآب هذه الصلاة الختامية المدوَّنة في يوحنا17. فإذا كانت المناسبة هي قُرب انتقاله إلي الآب، فإن الدافع كان محبته لخاصته. لقد كان مُزمعًا أن يرحل عن هذا العالم، ويترك فيه أولئك الذين يحلو له أن يدعوهم «خاصته»، إنهم جماعة المؤمنين علي الأرض الذين ينتمون إلي المسيح الذي في السماء. إنهم «خاصته» ثمر عمله، وهم أيضًا خاصته بصفتهم عطية الآب له. قد لا يكون لهم شأن في نظر أهل العالم، ولكن لهم غلاوة كبيرة عند الرب. كان سيتركهم، ولكنه لن يكُفّ عن محبتهم. إن محبة البشر تنتهي في أحيان كثيرة، قد يترك أحدنا الآخر، وقد ينسى أحدنا الآخر، ويفقد الواحد منا شغفه واهتمامه بالآخر، لكن الرب الذي كان مزمعًا أن يترك العالم، لن ينسى خاصته، ولن يكف عن محبته لهم. قد تبرد عواطفنا من نحوه، وقد ترتخي أيدينا في عمل الخير، وقد تضل أقدامنا، ولكن مع كل هذا فإننا متأكدون أنه لن يهملنا ولن يتركنا أو يخذلنا أبدًا. ومحبته لنا وعنايته بنا ستستمر «إلي المُنتهى». وفي النهاية، فإن محبته ستستقبلنا في بيت المحبة الأبدي، حيث لا توجد أيادٍِ مرتخية، أو قلوب باردة، أو أرجل شاردة فيما بعد.