هل تعودت أن تصلى من أجل ذهنك ؟
إن ذهنك فى احتياج مستمر لعمل الروح القدس لكى يظل سليما قادرا على التفكير الصائب ، ولكى يبقى محقوظا من صراع الأفكار المقلق ونسيان الأمور الهامة وتذكر الصور المؤلمة والتشتيت والسرحان ..
وهو أيضا فى احتياج إلى حماية الروح القدس .. إذ يوجد سارق خطير يريد أن يسرق من ذهنك صفاءه وقدرته على الحكم الصحيح على الأمور ، إنه إبليس الذى يريد أن يفسد أذهاننا .. يكتب لنا الرسول بولس محذرا "أخاف أنه كما خدعت الحية حواء بمكرها هكذا تفسد أذهانكم " (2كو 3:11)..
وهذا الكتيب يساعدك لتصلى لأجل ذهنك ، ليعمل الروح القدس فيه لشفائه وراحته وحفظه سليما .. 1-
تصلى لأجل ذهن ينسى
كثير من الأذهان تختزن فى أعماقها ذكريات مؤلمة .. صور قديمة للمعاناةوالألم أو للاخفاق والفشل وبين الحين والآخر تطفو إلى السطح لتثير ذكريات متعبة ومرهقة وقد تكون غير محتملة .. وربما اختزن الذهن ذكريات خطاياك السابقة وإخفاقاتك الماضية واندفاعاتك الحمقاء ، ثم يأتى الآن ليذكرك بها فتشعر بالحزن وعدم استحقاق البركة ..
كما قد يحتفظ الذهن بذكريات لأخطاء الآخرين ، وعلى الرغم من أن حياتهم قد اختلفت وظروفهم قد تغيرت تماما ، إلا أنك لا تزال عاجزا عن أن تبنى علاقات جديدة معهم ، وقد يمتد الأثر ليعوق قيام علاقات مع غيرهم ..
وقد تمتلئ الذاكرة بصور مفزعة للأبوة ، تجعلك غير قادر أن تفهم أبوة الله لك كما ينبغى .. أو بصور لايذاء إخوتك بعضهم لبعض تعوق انطلاقك فى محبتك للمؤمنين أو بصور غير مريحة للعلاقة بين أبيك وأمك تغيم بظلالها عليك فتجعلك تخاف من الزواج أو تخلط فى داخلك بين أمك وزوحتك إن كنت رجلا أو بين أبيك وزوجك إن كنت فتاة ..
ماذا ؟ .. هل سنسمح للماضى بأشباحه الباقية فى أذهاننا أن يؤثر على حاضرنا ومستقبلنا ؟ .. كلا ، فالله يريد أن يتعامل معها بروحه ..
أيها الحبيب هل تصلى لكى ينسيك الرب هذه الصور وتلك الذكريات ؟ .. إننى أدعوك الآن أن تصلى ، وأن تصلى بإيمان .. تأمل يوسف ، أى أحداث مؤلمة جاز فيها ؟ .. إخوته يلفظونه ، يتآمرون معا على التخلص منه ، يلقونه ، فى بئر بلا أدنى شفقة فيسبى إلى مصر وهناك يتهم باطلا ويسجن لسنوات .. أى أوجاع هذه ؟ .. لكن هل حرمته ذاكراها من هدوء الذهن ، هل كانت تؤرقه وتمنعه من النوم المريح أحيانا ؟ .. وهل أثرت سلبيا على علاقته بإخوته عندما جمعهم به الرب بعد ذلك ؟ ..
لا شك إنه عانى منها بعض الوقت ، ولا شك إن إبليس حاول أن يستخدمها ليلقى فى قلبه ببذور الكراهية لاخوته وربما الرغبة فى الانتقام .. وبكل تأكيد اجتهد أن يبث فى ذهن يوسف أفكارا سيئة عن االله الذى بدا فى الظاهر إنه تخلى عنه ..
هل نجح إبليس ؟ .. وهل استمر يوسف يقاسى هذه الذكريات ؟ .. لم يتركنا الكتاب المقدس للحدس والتخمين ، بل أجابنا فى هذه الآيات :
"وولد ليوسف ابنان (بعد أن رفعه الرب إلى مجد الحكم ) ، ودعا اسم البكر منسى ، قائلا لأن الله أنسانى كل تعبى (صعابى ) وكل بيت أبى (أى كل ما وقع لى من شدائد هناك ) .. ودعا اسم الثانى أفرايم قائلا لأن الله جعلنى مثمرا فى أرض مذلتى " (تك 41: 50-52)
لقد أطلق على ابنه الأول إسم منسى الذى معناه "الذى ينسى" ، لكى يتذكر ما فعله الرب معه كلما ناداه بإسمه ، لقد أنساه الصور المؤلمة والمفزعة ..
وأطلق يوسف على ابنه الثانى أفرايم الذى يعنى " ثمر مضاعف " .. وذكر الكتاب المقدس ميلاد الاثنين واسميهما فى فقرة واحدة ، ويمكننا أن نرى فى هذا علاقة بين النسيان والثمر .. فلكى يستخدمك الرب وتكون مثمرا وناجحا لابد أن تتخلص من الذكريات التى تزعج وتضعف من معنوياتك والتى تعوق أفكار الايمان ..
ولم يقل يوسف إنه هو الذى أنسى نفسه بل شهد بأنه عمل الرب .. قال "الله أنسانى " ، وأطلق إسم "منسى " على ابنه البكر إعترافا بتقديره بأن مافعله الرب مع ذهنه أمر عظيم جدا ..
أيها القارئ الحبيب .. الرب مستعد أن يفعل فى ذهنك ما فعله فى ذهن يوسف .. إننى أشجعك أن تطلب منه أن ينسيك كل الذكريات المؤلمة والمشاهد المزعجة التى تعطل إنطلاقك .. وتذكر هذه الحقائق ..
الرب لا يريدك أن تتذكر خطاياك وأخطاءك الماضية على نحو يزعجك .. إنه يقول " لا تذكروا الأوليات والقديمات لا تتأملوا بها .. أنا أنا هو الماحى ذنوبك لأجل نفسى وخطاياك لا أذكرها " (إش 43: 18،25) ..
لقد قاسى داود من تذكر خطيته فى الفترة التى سبقت إعترافه بها وسماعه من الرب إنها غفرت ، ولذا قال عند إعترافه بها "خطيتى أمامى دائما " (مز 3:51)
أما بعد إعترافه فلم يعد يتذكر الذنب بل الغفران ، ولهذا كتب فى مزمور جديد قائلا عن نفسه "طوبى للذى غفر إثمه وسترت خطيته .. طوبى لرجل لا يحسب له الرب خطية " (مز 32: 1،2) ..
أيها الحبيب الرب يريد أن ينسيك ذنوبك المخجلة لا لتضعف بغضتك للخطية وحذرك الشديد منها بل لتعظم نعمته الغنية .. الرب يريدك أن تتذكر غفرانه العظيم ، فهل تصلى بإيمان من أجل هذا ؟ ..
والرب لا يريدك أن تتذكر من حياتك القديمة ما يجذبك مرة أخرى إلى العالم الآثم أو ما يمنع إنطلاقك فى خدمته وفى الشركة مع المؤمنين ، هذا ماتقصده كلمات مزمور 45 التى تخاطب كل نفس عرفت محبة الرب وغفرانه وقبلت أن تحيا له "إسمعى يابنت وأميلى أذنك .. وانسى شعبك وبيت أبيك (أى أجواء الخطية السابقة ) فيشتهى الملك (الرب يسوع ) حسنك لأنه هى سيدك فاسجدى له " (مز 45: 10،11) ..
وبشكل عام فالرب لا يريدك أن تتذكر أى شئ يحصرك فى نفسك ، ويعطل استخدامه لك .. وضع الرسول بولس لنفسه هذا الشعار " أفعل شيئا واحدا إذ أنا أنسى ما هو وراء وأمتد إلى ما هو قدام " (فى 13:3) ..
أيها الحبيب .. ثق أن الرب يريد أن يلمس ذهنك ، ليشفيه من الذكريات التى تثير الانسان العتيق أو التى تعطل سلامك أو تعوق انطلاقك لخدمة الرب أو تحصرك فى ذاتك .. أعط للرب الفرصة .. تعال إليه اطلب منه أن يضع يده على ذهنك وأن يعمل بروحه لكى ما تنسى .. وما أعظم فائدة النسيان الذى من الرب !!
2- وتصلى من أجل ذهن يتذكر
هل صليت من أجل لمسة للنسيان ؟ .. أنت أيضا فى احتياج للمسة أخرى للتذكر .. كن حذرا فإبليس يريد أن يذكرك بما يضرك وأن ينسيك ما هو لفائدتك ..
تذكر كلمة الله
إبليس يريدك أن تنسى الكلمة ، لتصبح ضعيفا غير قادر على مواجهته ، فالآيات المناسبة التى تتذكرها فى المواقف المختلفة هى السيف الذى تستخدمه لطعن إبليس (أف 17:6) ..
إبليس يريدك أن تكون "سامعا ناسيا " (يع 25:1) .. للأسف كثيرون يسمعون الكلمة لكنهم ينسونها ، وعند الاحتياج لا يتذكرون المناسب منها .. إننا فى أشد الاحتياج للمسة الرب لأذهاننا .. هو الزارع الأعظم الذى يأخذ الكلمة التى تسمعها ليغرسها بالروح القدس فى داخلك كى لا تنساها (مت 23:13) ، يقول الرب عن عمل الروح القدس مؤكدا " وأما المعزى الروح القدس .. فهو يذكركم بكل ما قلته لكم " (يو 26:14) ..
أيها الحبيب هل يمكنك أن تقول للرب كلمات مزمور 199 القائلة "بفرائضك أتلذذ .. لا أنسى كلامك " (مز 16:119 ) ..
هل حقا أنت لا تنسى كلام الرب ؟ هل تتذكر عند المواقف المتنوعة ما يناسبك منها ؟ نعم أنت تحتاج أن تقرأ فى الكلمة كثيرا ، وأن تقضى وقتا كافيا للتأمل فيما قرأته .. نعم أنت تحتاج لهذا لكنك فى احتياج أيضا أن تصلى بثقة لكى يلمس الروح القدس ذاكرتك ..
تذكر إحسانات الرب
إبليس يريدك أن تنسى إحسانات الرب .. لأنه يعلم أن تذكر ما عمله الرب معك يبنى إيمانك ويحفظ فرحك وسلامك .. لقد نجح أن يفعل هذا مع شعب الله بعد خروجه من أرض مصر ، يقول الكتاب عنهم "نسوا الله مخلصهم الصانع عظائم (معهم ) فى مصر " (مز 21:106) ..
لهذا ليس من الغريب أن ترى داود يحث نفسه على التذكر قائلا :
"باركى يانفسى الرب
ولا تنسى كل حسنات
الذى يغفر جميع ذنوبك
الذى يشفى كل أمراضك
الذى يفدى من الحفرة حياتك
الذى يكللك بالرحمة والرأفة
الذى يشبع بالخير عمرك
فيجدد مثل النسر شبابك "
(مز 103: 2-5)
لتنتحدث إلى أنفسنا بكلمات داود .. لنتذكر إحسانات الرب لنقوى إيماننا بالغفران والشفاء والفداء من الحفرة والحياة الشبعى بالخير ..
طلب الرسول بولس من أهل كنيسة أفسس أن يتذكروا ما فعله دم يسوع معهم وكيف جعلهم قريببن لله (أف 13:2) .. لأن هذا التذكر يحفظ أرواحهم منتعشة وإيمانهم مرتفعا ، بينما وجه الرسول بطرس اللوم للذين نسوا تطهير خطاياهم السالفة (2بط 9:1) لأنه نسيان قادهم إلى التكاسل ..
أطلب من الرب أن يعمل بروحه فى ذهنك ليذكرك بإحساناته معك لتظل دائما منتعشا قويا فى الايمان وغير متكاسلا ..
وتذكر إنك قوى!
تعرض تيموثاوس لمشقات ومحاربات شرسة من إبليس ، فكتب إليه الرسول بولس هذه العبارة الهامة ليشجعه بها "أذكر يسوع المسيح المقام من الأموات من نسل داود " (2تى 7:2) .. تأمل ، لم يقل له أذكر يسوع المصلوب ، بل المقام .. ولماذا من نسل داود ؟ .. لأن داود يشير إلى أن الرب ملك ..
فى وقت الهجمات تحتاج أن تتذكر إن لنا الرب الملك ، القوى والمنتصر ، وإن قوته وأنتصاره هما لنا ..
أيها الحبيب عندما تشعر بالضعف أنت تحتاج ألا تغيب عن ذهنك هذه الحقيقة فتقول مع بولس " حينما أنا ضعيف فحينئذ أنا قوى " (2كو 10:12) ومع يوئيل "ليقل الضعيف بطل أنا " (يوئيل 10:3) .. أنت تحتاج أن تتذكر أن الرب الحاضر معك ملك قائم ، هو معك لينتصر فيك ..
هيا ، ارفع قلبك الآن واطلب من الرب أن يلمس ذهنك بلمسة تجعله يتذكر دائما حقيقة الرب المقام ، إنه دائما معك ، وإن قوته لك لتغلب ..
3- وتصلى لأجل ذهن نقى
فى الرسالة الثانية إلى كورنثوس لنا هذه الآية الهامة "مستأسرين كل فكر إلى طاعة المسيح " (2كو 5:10) .. نحن لا نستطيع أن نمنع تماما الأفكار النجسة وأفكار الأنانية وإدانة الآخرين أن تأتى إلى أذهاننا ، لكن بإمكاننا بقوة الروح القدس أن نخضعها لطاعة المسيح ، تماما كخضوع الأسرى للقائد المنتصر .. بإمكاننا أن نوقف تجولها فى أذهاننا ، وأن نمنعها من أن تسكن فيها ..
هل `نريد أذهانا نقية ؟ .. لنتوقف فورا عن قراءة ورؤية كل ما يأتى بالأفكار غير الطاهرة إليها ، ولنهرب من الأحاديث التى تسمح بكلمات الادانة والنميمة .. ثم لنأت إلى الرب مصلين من أجل أذهان لها فكر المسيح ..
4- وتصلى من أجل ذهن حكيم لنصل لكى يعطينا الرب الحكمة لنعرف أن نميز بين الأمور المتخالفة (فى 10:1) ، وأن نتصرف حسنا فى المواقف المختلفة .. يقول الرسول يعقوب " إن كان أحدكم تعوزه حكمة فليطلب من الله الذى يعطى الجميع بسخاء : ولكن ليطلب بإيمان " (يع 1: 5،6) ..
5- وأخيرا تصلى لأجل ذهن متضع
حدثنا الرسول بولس عن هذا الذهن فى معرض حديثه عن المحبة بين الأخوة فقال : "فتمموا فرحى حتى تفتكروا فكرا واحدا .. لا شيئا بتحزب أو بعجب بل بتواضع حاسبين بعضكم البعض أفضل (أهم KJV) من أنفسهم " (فى 2: 2،3) ..
كيف نحتفظ بأذهاننا متضعة بعيدا عن الاعتداد بالذات والكبرياء والتعالى على الآخرين ؟ .. الرسول بولس يقول لنا لنفكر فى الذين نتعامل معهم على اعتبار إنهم أفضل وأهم منا .. الزوج ، ليفكر أن زوجته أهم ,افضل منه .. نعم لقد خلقنا الله متساويين لكن الرسول يوصينا عندما نتعامل معا أن نفكر فى الآخرين إنهم أهم وأفضل منا حتى ولو كانت مواهبهم أقل أو دورهم فى العمل غير بارز .. إنه اتجاه الحب والاتضاع الذى يجعلنى أفكر فى إخوتى حاسبا إياهم أهم وأفضل من نفسى ولنقاوم بحزم كل أفكار تحمل أخبارا سيئة عن الآخرين ولا ندعها تستقر فى أذهاننا ، ولنحتفظ فى ذاكرتنا فقط بأخبارهم الحسنة وصفاتهم الجيدة.. كيف ؟ .. ليكن هذا اتجاه تفكيرنا .. ولنطلب ، نعم لنطلب من الرب ، فبدونه حتما سنفشل ، لنطلب من أجل الذهن المتضع أبى السماوى اعمل فى ذهنى اعمل فيه بروحك لينسى ما يؤذينى وليتذكر كلمتك وإحساناتك وقوتك وليصبح ذهنا نقيا ، حكيما ومتضعا إننى أطلب باسم ابنك يسوع من أجل أن تلمس ذهنى لمسة قوية بروحك آمين.