كانت أمي تقرأ الإنجيل دائماً, في ركن خاص بغرفتها, وكنا نشعر بالسلام الذي يعبق في جو الغرفة, كلما أخذت الإنجيل بين يديها وقرأت. إيمان وتقوى والديّ أثّرا في نفوسنا, فكنا نحن أيضاً نقرأ الإنجيل أحياناً.
وكم من المرات وأنا في فترة طفولتي, ومراهقتي, وبعد ما قرأت الأناجيل الأربعة, حتى أني حفظت أكثر الأحداث. ثم أخذتني مشاغل الحياة والمسؤوليات ولم أعد أقرأ شيئاً.
ومرت الأيام.... ومنذ مدة قريبة, فتحت الإنجيل وأخذت الإنجيل وأقرأت مرقس 14 إلى أن وصلت إلى الآية 35:14 { وابتعد قليلاً ووقع إلى الأرض يصلي } واستوقفتني جملة { ووقع إلى الأرض يصلي } وأحسست كأن صاعقة قد هوت على رأسي.
يا إلهي..... إن يسوع لم يركع على الأرض ليصلي بل وقع. لقد وقع يسوع ليصلي... أيّ ألم مرير كان يعيشه!... أي حزن!.. أي وجع رهيب كان في قلبه!..
الإله العظيم.... القدير... الخالق ... يقع ليصلي .. لم يركع ... بل وقع!..
كيف لم أرى هذه الكلمة طوال هذه السنين والمرات التي كنت أقرأ فيها الإنجيل؟
لماذا وقع يسوع؟... كيف وقع يسوع؟...
أيُّ مشاعر قوية من الخيبة والحزن أذقناها له.. عندما لذنا بالفرار..
أين رمينا كل هذا الحب العظيم الذي أعطانا إياه.. حتى أنه لم يتحمل ووقع.. لم يكن حزنه وخوفه من الصلب...
لا... لقد أذقناه المر ونكران الجميل.. عندما تركناه وحيداً نسينا أنه شفانا من أمراضنا... نسينا أنه منح لعيوننا البصر.. نسينا أنه هدّأ العاصفة عندما كدنا نغرق... نسينا... ونسينا... ونسينا... وها نحن نختفي بعد أن كنا لا نفارقه لحظة. عندما كان يغدق علينا الخيرات...وعندما ضمنا لمأدبته السماوية.
يسوع يقع إلى الأرض يصلي..
أغمضت عيني.. وشعرت... وأحسست بهذه الكلمة تخترق قلبي كسهم ناري...
وعرفت من هذه الكلمة ( ووقع ) كم من الآلام نسببها ليسوع. ووجدت نفسي أتساءل!! كيف كنت أقرأ الإنجيل طوال هذه السنوات ولم أحس بهذه الكلمة.
إنني أعترف.. وبمرارة.. بأنني كنت أقرأ الإنجيل كقصة.. كأحداث مرّ بها يسوع, حفظت بعضها. ولكني لم أعشها!..
لماذا لا أعود إلى الإنجيل من جديد, وأقرأه قراءة جديدة؟.. سأعود وأقرأ كل آية, وأعيش كل كلمة, كل حرف نطق به يسوع... لأفهم ماذا كان يريد أن يعلّمنا.. أن يقول لنا... كيف يريدنا...
كفانا سطحية في الإيمان... فلنعش مسيحيتنا الحقيقية.. ولنعش الإنجيل..
سامحنا يا رب لبعدنا عن جوهر مسيحيتنا... سامحنا لأننا أصبحنا بعيدين....
أيقظ عقولنا... أفتح عيون قلوبنا... أضرم لهيب محبتك في قلوبنا.. ادخل إلى قلوبنا, واغفر لنا... فقد أخطأنا إليك كثيراً... لنعود من جديد... ونفتح الإنجيل.... ونعيش الإنجيل بروحك القدوس.
لنفتح لكَ الباب... فها أنت واقف على الباب وتقرع... فلنسمع صوتك... لتدخل إلينا...
وتتعشى معنا... ونتعشى معك. آميــــــــن.