لقاء مع الله
في إحدى الأيام الصيفية الحارة, خرجت إلى الجبل لأروح من الحرارة الخانقة , وإذ بي ألتقي بعد مسيرة ساعتين ساقية صغيرة توجد على منعطف الطريق الذي تؤدي إلى سفح الجبل, فجلست بالقرب منها أداعب العشب تارة وأعد الحصى المتناثر على ضفافها, وعيناي لا تفارقان ذلك المنظر الخلاب, فيسرح فكري في الطبيعة, كما يسرح الطير في حقول السنابل, وأنا أقول: يا الله!
في تلك اللحظات الممتعة, تأتي فراشة لا أعرفها و لا تعرفني, تقف على كتفي فأداعبها و إذ بها تنتفض وترتعش وتطير تاركة على أصابعي رحيقها, فأرى في هذه الانتفاضة أجمل الألوان المتناسقة وأقول: يا الله !
وفي الليل, عدت ثانية إلى الساقية, أحصي النجوم اللامعة على وجهها, أنحني عليها لأروي ظمأ شفتي مقبلاً إياها, فيأتي القمر, ويسبح تحت شفتي غيرة, عساه أن يحصل هو أيضاً على قبلة قبل أن يختفي. فأرفع وجهي نحو السماء, وأتمم ما أجملك يا الله. وأمام هذا الجبل وهذه الساقية, وبالقرب من هذه الفراشة عرفت لأول مرة من أنا و من هو الله.
وأمام هذا النظام السائد وهذا التناسق أرفع يدي و عينني مبتلة بالدمع وأقول شكراً على عظمتك و مجدك, شكراً لأنك خلقتني.
وبعد هذه الحادثة أصبحت أعود دائماً, كلما شعرة بالتعب, كلما شعرت بالضيق, لألتقي الله, ففي هذه الطبيعة حيث الألحان و الرياحين والأنوار أشعر أن لله وطن غير السماء, إن له مسكناً غير عرش جلالته, أشعر أنني و إياه جيران, أراه كل يوم, بل وكل لحظة... ومنذ تلك اللحظات أمسيت شغوفاً به. إنه ذلك الكائن الصامت الذي يترك المجال للغير للتكلم عنه.
فالله حتماً ليس هو القمر ولا الساقية ولا الفراشة, بل تلك القوة التي تخلق الكائنات و التي تدفعها إلى العمل , تلك التي تنظم علاقاتها, تلك التي تعطي معنى لحياة كل واحد منا.