هناك في قرية من قرى القدس عاش فلاح مع عائلته
في أول الخريف زرع أرضه قمحاً
بذرة القمح تدفن في الأرض وعرق تعب الفلاح يمتزج مع ترابها
أحب أرضه واعتنى بها كأحد أبنائه
لم يكن وحده يحب الأرض بل أحبتها كل العائلة
كلما ضاقت الحياة بابنته المراهقة خرجت إلى الأرض وبكت ساقيةً القمح بدموعها
كلما اشتد اليأس بزوجته خرجت إلى الأرض وبكت ساقيةً القمح بدموعها
إبنه الصغير يخرج إلى الأرض فتتعثر قدماه ويقع مكدساً التراب فوق القمح
أما هو فلا يكل ولا يمل يتفقدها كل يوم وبعرق تعبه يروي ترابها...
الحبة تصبح سنبلة... ويحين موسم الحصاد...
يتناثر الحصادون في الحقول يتبادلون الأحاديث، يتشاركون المصائب ويحصدون...
يخرج الفلاح بحبوبه إلى السوق ليبيعها
وإذا بنجار يأتي ليشتري.. يدفع ثمنها من مال كسبه من طاولة باعها باع معها كل تعبه وسهره
يعطي الحبوب لزوجته لتصنع منها خبزاً لإبنها الذي يقيم وليمة عشاء مع أصدقائه هذه الليلة...
الطحين يخلط ماءً ومع الماء عرق أب متعب ودموع أم قلقة.
العجين يحرق بالنار ليصبح خبزاً يقدم على المائدة...
وفيما هم يأكلون أخذ الإبن الخبز ورفعه إلى السماء رافعاً معه التعب والحزن، العرق والدموع، اليأس والسقوط.. رفعها كلها عالياً إلى الله ثم شكر، شكر على التعب والحرق، على العرق والدمع ثم كسر وأعطى أحباءه قائلاً:
"خذوا كلوا من هذا كلكم، هذا هو جسدي.. جسدي عمل، جسدي همّ، جسدي سهر، جسدي يأس..
هذا هو جسدي الذي يبذل لأجلكم لمغفرة الخطايا وللحياة الجديدة
العمل لمغفرة الخطايا والتعب للحياة الجديدة
الحزن لمغفرة الخطايا والسقوط للحياة الجديدة"
.....
هناك في قرية من قرى القدس عاش فلاح مع عائلته
وفي وسط أرضه كرمة كبيرة
أحب كرمته واعتنى بها كأحد أبنائه
لم يكن وحده يحب الكرمة بل أحبتها كل العائلة
كلما أراد إبنه أن يلعب مع رفاقه خرجوا إلى الكرمة وتفياؤوا بظلها. يضحكون، يركضون، يمرحون.
كلما خرجت إليها زوجته أحست بفرح يغمرها من رؤية أوراقها ومشاهدتها تكبر.
وحتى إبنته المراهقة عرفت تحت ظلالها أول حب لها.
أما هو فلا يكل ولا يمل كل يوم يتفقدها ويداعب أوراقها ويتلوا عليها أناشيده كأنها أحد أبنائه...
يحل الصيف وتتدلى العناقيد حاملة أجمل الثمار...
يتنائر الحصادون في الكروم يتبادلون الأحاديث ويتشاركون الضحكات ويحصدون...
يخرج الفلاح بعناقيده إلى السوق لبيعها
وإذا بنجار يأتي ليشتري.. يدفع ثمنها من مال كسبه من طاولة باعها، باع معها الإبداع وفرح الخلق.
تعصر الأم العناقيد لتصنع خمراً لابنها الذي يقيم وليمة عشاء مع أصدقائه...
العناقيد تعصر وتخمّر لتصبح أكثر لذةً ونشوةً.
العناقيد تصبح خمراً، يصب في كؤوس ويقدم على المائدة...
وفيما هم يشربون أخذ الابن الكأس ورفعها إلى السماء رافعاً معها الفرح والحب، النشوة والضحك، الإبداع واللذة.. رفعها كلها عالياً إلى الله ثم شكر،شكر على الفرح والحب، على النشوة والضحك، ثم أعطى أحباءه قائلاً:
"خذوا اشربوا من هذا كلكم هذا هو دمي.. دمي فرح، دمي حب، دمي نشوة
هذا هو دمي الذي يراق عنكم وعن الكثيرين لمغفرة الخطايا والحياة الجديدة
الحب لغفران الخطايا والنشوة للحياة الجديدة
الفرح لغفران الخطايا والإبداع للحياة الجديدة"
ثم بعد العشاء أضاف قائلاً:
"اصنعوا هذا لذكري
إذا عملتم فاعملوا لذكري وإذا تعبتم فاتعبوا لذكري
إذا فرحتم فافرحوا لذكري وإذا ضحكتم فاضحكوا لذكري
هذه بداية عهد جديد تكونون أنتم شركاء في صنعه
عهد موسوم بأسمى رموز الحياة.. العمل والفرح.. الخبز والخمر"..