حالة مغترب
أعلن رغبته بالانتماء
ولكنه لم ينتمي...
أراد أن يبقَ مثمراً
ولكن جذوره قدّدها الجفاف...
أفتعلَ الاندماج العربي وقَدِرَ،
ورمى وراء ظهره ذكريات طفولته
ولكنه لم يندمج...
حالة مغترب
حالة طبيعية، مرضية،
كـيف لا ؟
وهو آتٍ من عوالمَ مُفعمةً بالندى الصباحي على أزهار الكرز ،
مغموس بانتماء لتراب وردي معطاء ،
وهاهو اليوم على عتبات الغربة ،
وبَلادَةِ رمال الصحراء...
يـريد أن ينـتـمي،
فيشتم رائحة الإبل، و الحضارات الـمُحْـدَثَـة،
وهو مسكون بالشوق للخصب والجمال ،
ونفحات من ثورات معلنة،
وثورات ممزوجة بطهر آلهة قديمة ،
ولم ينـتـمي...
ها هو
يريد البقاء مثمراً،
فتلفحه زوابع الغبار حتى جفاف روحه ،
وتلاحقه حبيبات الرمل الـمُصْفَرَة،
كأنها تَـرْجُمُهُ بالذات لأنه هنا...
كيف يستمر؟
وقد أفقدته الحضارات الـمُحْدَثَة رونقه الغض،
وجفت دموعه وهو يبكي المحاولات اليائسة،
ليكون فرداً منهم،
له ما لهم وعليه ما عليهم...
ربما هناك إثم يلاحقه ويصب عليه لعنة النفط،
وربما لو أراد العودة ما استطاع
وهو نصف حي...
حالة مغترب
أرتضى لنفسه أن يحاول،
وجرّد نفسه من وحل الطرقات العاشقة للمطر،
ومن صباحات القهوة والجبل،
وفيروز تشدو للمواسم الآتية ،
وغلالٍ تنتظر من يغمرها بحب،
وكيف؟
كيف كان صباحه الأخير؟
كان ككل الصباحات التي تجبره أن يستفيق،
ليواجه عوالم:
ليس منها ،وليس لها ،
عوالم من تفـاهـات صغيرة تـُلـقى عليه ،
ليتحمل مسؤوليتها عن
سيادة مديره في العمل ،
فقط لأنه
مختلف...
حالة مغترب
أرتضى أن يمتهنَ الحياَة الصعبةَ كي يعود،
ليَروي ياسمينةً عـَرَّشَتْ على بـوابــات الفـقرِ والبساطةِ ،
ليرويها بقـطراتٍ،
قطراتٍ من الانـكسارِ والهوانْ ؟
قطراتٍ من نفطٍ مُغْبَرٍ أحمقْ؟
أحمقٌ هو
وأحمقٌ أنا
وأحمقٌ كلَ من حاول الانـتمـاءَ لما ليسَ له ،
وحاولَ النضالَ، ليُحَسِّنَ معيشته خارجَ أرضه،
فأكتشف أنَّه:
يفقدُ ذاتَهُ بحربٍ لمْ يكنْ يوماً طرفاً فيها،
هاهو شاحبٌ بلا شمسٍ ،
ولا دفئٍ ،
و لا لونٍ،
كصباحاتِ مديرَهُ في العمل...
هاهو يبكي شوقه ليكونَ هناك،
ولكن مرغماً يبقى،
فكيف يعبرُ الحدودَ بجوازِ سفره
وهو نصفُ حـي؟
وكـيـف يـلقى من تبقى من أحبته
وهو نصفُ حي؟
تسحقه الغربة على قارعةٍ إسفلتيةٍ سوداء،
ويمرُ الطريقُ إلى هناكَ أمامهُ، كلسانٍ أسودٍ ممتد،
ينظرُ آمِلاً العودةَ،
ولا يعود...
ينتظر الشفاء،
و لا يشفى...
حالةُ مغتربْ
كذرةِ غبارٍ عالقةٍ ليسَ لها مكانْ...
يصحو ويمضي
يُعْطي،
ويَأْخُذُ الانطباعات القاسية الملامح،
لسيادة مديره الذي لا يرحم,
وعِظاتٍ بالعشراتِ مِنْ بُلهاءْ...
هاهو يتدثَّرُ بالصمتِ والشحوبِ
وعيونٍ تَأْمَلُ العودة
وينتظر الشفاء ولا يأتي...
حالةُ مغتربْ
فـاتـهُ بالغربـةِ :
كلَ صباحٍ مُبْكِرٍ،
مغموسٍ بريحِ الأرضِ،
بـريحِ الوردِ،
بـريحِ الـفَـقْرِ وَ الزَعْتَرْ...
فاتـَـهُ:
طفولَة كلِ مَنْ كَبِرَ في غيابِهِ،
فاتـَهُ
الأحياءَ مِنْ صداقاته،
و الأمواتْ،
والْأَجْرَ في جنازات منْ أحبْ...
فاتته:
ألوانَ البهجةِ،
ونكهةَ العيدِ،
ووقعَ أقدامِ الصغارِ في الطريقِ إلى المدرسةْ...
طعمَ الخبز ،
وطعمَ الحياة،
وابتسامةً مِنَ القلبِ ممن أَحَبْ...
لا الحضارات المُحْدَثَة،
ولا أموال الغربة قادرة أن تحيي روحَهُ الميتة...
تسرقهُ السنون
وتحتضنه المسافات البعيدة،
ويـبـقى منتظراً،
معجزة الشفاء،
ولا يشفى.....
22/11/2010