إن ممارسة التربية الدينية تقتضي أن تكون الحالة الروحية أو حياة الإيمان عند المربي في وضع بعيد عن الركود, ذلك لأن في ممارسة التربية, يعيش المرء بالضرورة تطوراً مستمراً, فالوضع التربوي الذي يحمله المربي يجعله على اتصال مستمر بمن يتعامل معهم, الأمر الذي يدفعه لأن يحُسّن وضعه أي أن يربي ذاته كي يحُسِن التعامل مع الآخرين, وأن يربي علاقته بالله الذي يتحدّث عنه ويبشّر به.
كيف يتم هذا التطور؟
1- في علاقته مع الأولاد وبواسطة الأولاد.
الأولاد هم مصدر حياة روحية, إنهم منفتحون ويستقبلون كل شيء جديد لأن كل شيء فيهم جديد. إنهم يتفاعلون بسرعة مع كل جديد, وأجوبتهم المفاجئة والمُدهِشة وتفاعلاتهم مع كلمة الله تُدهشنا وتحرّك فينا الشعور والإيمان بقدرة الروح العاملة في قلوب الأطفال والبسطاء (أحمدك يا رب لأنك أخفيت هذه عن الحكماء والعلماء وكشفتها للأطفال). إنّ المربي مدعوّ ليقف أمام دهشة الأطفال وقفة تأمل وإعجاب وصلاة...
2- الأولاد الذين نستقبلهم ونسمعهم ونحترمهم هم مصدر فرح بالنسبة للمربين.
إنهم في أغلب الأحيان مصدراً لخيبة الأمل ولكنهم مصدر فرح في أحيان أخرى. فمثلاً عندما يقول الأولاد بأنهم سعداء عندما نصغي إليهم ونتفهّم مشاكلهم, وإنهم سعداء بوجودهم معنا وباكتشافهم محبة الله بواسطتنا, فهذا أمر يولّد لدينا الفرح والتعزية ويحثّنا على المتابعة رغم الصعوبات. وهل أجمل من أن يتمكّن المرء من فتح القلوب على الله؟...
ليس من الصعب أن نحرك العقول ونساعدها على فهم الأشياء وأمور الدنيا, لكن البطولة هي في تحريك القلوب. كلنا نعرف أن القلب هو موطن الأسرار والرغائب والرغبات وما أكثر الرغبات التي يسعى إليها المرء في هذا العصر وما أكثر المغريات التي تشدّه إليها, البطولة هي أن يتمكّن المربي من مساعدة الولد عل إسكات هذه الأصوات لوقت كي يفسح المجال لله ليدخل إلى قلبه ويجد فيه زاوية يرتاح فيها.
3- إن أسئلة الأولاد تحشرنا و تقودنا لأن نطرح على أنفسنا أسئلة لم نكن نطرحها من قبل وما كنّا لنطرحها اليوم لولا الأولاد, أسئلة تجبرنا على أن نفهم ونسأل ونبحث ولا ننسى أن في كل سؤال نطرحه على أنفسنا في المجال الديني دعوة للتأمل والتعمق في إيماننا.
4-عندما نعمل على إيقاظ الإيمان عند الأولاد وعلى تنميته فإننا في الوقت نفسه نعمل عل تعميق إيماننا وبالتالي على تغيير حياتنا وتثبيت هُويّتنا المسيحية. هذه التغيرات والتطورات التي تحصل عند المربي في أثناء ممارسته التربية الدينية, لابدّ، إن كان واعياً لها, أن تقوده إلى انفتاح رسولي يعطيه بعدً رسولياً وكنسياً. هذا الانفتاح الرسولي يظهر في حب التعرّف إلى العالم، في الانفتاح على الشمولية وفي التعرّف إلى حياة الكنيسة في العالم, وهذا وبدون شك يساعد الأولاد على أن يوسّعوا آفاقهم في مفهومهم للإيمان, لأن الإيمان ليس مسيرة عمل شخصي منفرد عن الآخرين, إنه مسيرة شعب الله في طريقه نحو الملكوت.
المربي المؤمن والملتزم لا يكون سعيداً إن عاش إيمانه بمفرده, وهو لا يرتاح إن كان أولاده في صحة روحية جيدة بينما إخوة له آخرون بعيدون عن الإيمان, وأولاد آخرون يقضون أوقاتهم في الشوارع وليس مَن يشجّعهم على سماع كلمة الله. الانفتاح الرسولي هو أن لا نتخاذل إن طُلب منا أن نمدّ يد المساعدة لأولاد آخرين خارج مراكزنا, أن نذهب إلى الأحياء والقرى المجاورة التي تحتاج إلى حضور كنسي, وأن نضع كل إمكانياتنا في خدمة هذه الرسالة المقدسة, خدمة أبناء العماد في مسيرتهم نحو الملكوت.