معنى الخوف
في حين يصعب إيجاد جذور هذا الشعور أعتقد أنها بشكل عام من رواسب تجارب تقمصات عدة. إننا اليوم تماماً ما قد صنعناه عبر سلسلة من التقمصات في عالم الزمان والمكان، ونحن نتاج أفكارنا وأفعالنا ومجموع تجارب "الشخص" الذي في داخلنا. وهذه "الشخص" قد عايش تجارب لا تحصى، بعضها كان غاية في الصعوبة
بوسعك التغلب على الخوف باستحضارك الأعمال والأفكار التي تنم عن شجاعة نبيلة، تصور نفسك تقوم بأعمال شجاعة، راقب أعمال الآخرين وقدر شجاعتهم، لعلك تثبّت محبة الشجاعة في نفسك وسيتلاشى الخوف كعتمة الليل الهاربة من أشعة الشمس عند الشروق، ففي الشجاعة تكمن أسرار التغلب على الخوف، والشجاعة في أسمى معانيها هي قوّة استعمال الخيال الإبداعي أو الحدس لمواجهة الأمور قبل حدوثها
حذار من الخوف الذي ينتشر كأجنحة خفافيش الليل السوداء، ما بين ظلال ضياء النفس والهدف الأسمى الذي تنسجه المسافات بعيداً.
الخوف يقتل الإرادة ويشل الأفعال، ومَن ينقصه فضيلة الصبر يتعثر بحصى الأجيال الماضية ويقع أسير تراكم الأسباب والنتائج على طريق محجته الوعرة. كلنا يعرف الشعور بالخوف المدمّر الذي يقيّد المرء ويعذّبه ويشل إرادته، الخوف من الوقوع في الخطأ، الخوف من عدم الاستعداد والفشل، وهاجس المرض أو الموت.
وفي حين يصعب إيجاد جذور هذا الشعور أعتقد أنها بشكل عام من رواسب تجارب تقمصات عدة.
إننا اليوم تماماً ما قد صنعناه عبر سلسلة من التقمصات في عالم الزمان والمكان، ونحن نتاج أفكارنا وأفعالنا ومجموع تجارب "الشخص" الذي في داخلنا. وهذه "الشخص" قد عايش تجارب لا تحصى، بعضها كان غاية في الصعوبة.
أما الخوف من روتين العادة والتوجّس من الخطوة المقبلة والقلق على الحياة، لعله نتيجة ذكريات في اللاوعي لإخفاقات وإحباطات سابقة.
إن قوى النور والظلمة يتصارعان داخل النفس البشرية، يقول أحد الفلاسفة حول دور القوى هذه: "ثمة نفسان تقطنان داخل صدري على الدوام". لكن ما هي هذه القوى؟
ما وراء الطاقة الفكرية أو النفس البشرية تكمن النفس الحيوانية التي تتشكل من الأهواء والرغبات والأماني والأحاسيس. وتتربع فوق الإثنتين النفس العقلية أو الطاقة الروحية أو ما يُعرَف بالـ "حدس"، فهذا الجزء الإلهي فينا يتحفنا بالإلهام فقط لو استمعنا إليه .
الخوف هو شعور النفس الوسطى أي النفس البشرية حينما تهوي إلى درك النفس الحيوانية وتخضع لأحاسيس طبيعة رغبتها السفلى.
أنظر إلى نتائج الخوف، إنه يكبّل المرء ويجعله غير قادر على ما هو معقول.
الخوف والأسى هما مشاعر طبيعة الإنسان السفلى. وعليه أن يتغلب عليهما بالصبر والحكمة كيما يتم له تقوية اتّصاله بالنفس الساكنة المطمئنة في داخله.
ونرى هذا الموقف في نشيد المولى أو البهغفاد غيتا حيثما يرمز البطل أرجونا إلى النفس البشرية حينما يقف بين جيشين في ساحة القتال وعليه أن يتخذ قراره في الاقتتال. والجيشان يمثلان النفسين: النفس الشريفة والنفس الضدّية. فقد غرق أرجونا في اليأس وسأل كريشنا، وهو الطاقة الروحية أو حدسه، لماذا عليه أن يخوض القتال. لقد حاول أن يتهرب من الواجب الذي عليه إنجازه، فما كان من كريشنا سوى أن أنبهه على ضعفه وطلب منه أن ينجز واجبه، لكن أرجونا بعدما أظهر تعاطفه العميق لكلي الفريقين المتأهبين للحرب قال "لن أقاتل" فأجابه كريشنا: "أولئك الذين ينعمون بالحكمة الروحية لا يحزنون أبداً على الأموات ولا على الأحياء. فأنا لم أزل موجوداً وأنت وكل البشر على الأرض، ولن نتوقف عن هذا الوجود. فكما نختبر في هذا الوعاء المادي مراحل الطفولة والشباب والكهولة كذلك سنختبرها في تقمصات مستقبلية. فكل من آمن بهذا المعتقد لا يقلقه أي شيء يصادفه. فالحواس في تحركها نحو أغراضها الحسية هي نتاج الحرارة والبرودة، الألم والسرور والمشاعر الأخرى تأتي وتغيب وتتغير باستمرار فالحكيم الذي لا تزعجه هذه الأغراض ويتساوى لديه الألم والسرور فهو أهل للخلود …
إننا لا نستطيع أن نفر من تجارب الحياة بل علينا أن نحل كل مشاكلها، دون الالتفاف عليها. وحين ندرك أن وجودنا ليس مقيداً في هذه الحياة البائسة الوحيدة على الأرض ونتيقن من أن جوهرنا الداخلي خالد نمتلك عندها أساساً رائعاً لرؤى مستقبلية.
لكن كيف يتسنى لنا أن نحقق الغلبة على الخوف؟ والجواب واضح، فالأفكار تصوغ البشر، لذا علينا أن نستعمل قوة الأفكار والخيال وفوق كل شيء الحدس كي نتحرر من أنفسنا الحيوانية ونتجه شطر النواحي الروحية في أنفسنا من جديد.
"الحب قوة جبارة ، والحب الكامل يطرد كل أثر للخوف. من يمتلئ قلبه بالحب والرأفة لا يعرف معنى الخوف أبداً، وليس ثمة مكان للخوف في فؤاده. بادل أخوتك بالمحبة وستتحد بالقوى الكونية الخارقة وستصبح قوياً ذا بصيرة متفتحة روحياً. ولن تخشى شيئا على الإطلاق لأن فؤادك سيمتلئ حباً وتفهماً، لأن الحب - الحب الكامل يستحضر الفهم. لن تخشى بعدها من الفقر ولن يعرف الخوف سبيله إليك".
بوسعك التغلب على الخوف باستحضارك الأعمال والأفكار التي تنم عن شجاعة نبيلة، تصور نفسك تقوم بأعمال شجاعة، راقب أعمال الآخرين وقدر شجاعتهم، لعلك تثبّت محبة الشجاعة في نفسك وسيتلاشى الخوف كعتمة الليل الهاربة من أشعة الشمس عند الشروق، ففي الشجاعة تكمن أسرار التغلب على الخوف، والشجاعة في أسمى معانيها هي قوّة استعمال الخيال الإبداعي أو الحدس لمواجهة الأمور قبل حدوثها.
فالإنسان محكوم بالخوف ما دام هائماً في محبة ذاته، لأنه عندها يبقى خائفاً دوماً من كل ما سيحدث، يخاف من المغامرة ويتوجس من الفعل، ويخشى التفكير وتسكنه هواجس الخسارة، وفي النهاية لا يحيق به سوى الخسران أو كما يقال "كل ما أخشاه ألقاه".
إنما هم الكبار العظماء الذين لا يخشون لائمة، هم المغامرون دوماً، هم الذين يبادرون بالعمل لأنهم أصحاب العزم والتصميم والإرادة، وهم "ملح الأرض" وأرواح العالم، لا يعرفون الخوف فيما يقومون به لأنهم يحبون الوجود.
وهدف التطور هو كائن بشري يرقى إلى مصاف الملائكة. فكل منا في أصغر محور للوعي فيه سيصل إلى مرحلة التنوير وما وراءها. فإذا ما أعاقنا الخوف أو الهواجس، مهما كانت صغيرة أو كبيرة، ومنعنا التردّد من القيام بالخطوة المناسبة، علينا أن نتعلم التغلب علي هواجس الخوف والتردّد.