أنتيباس شهيدى الأمين = كان يكرز بأمانة فى برغامس الممتلئة من فعل ونفوذ الشيطان حيث دعاها كرسى الشيطان. وإذ إنتصر أنتيباس على الشيطان فى مواقع كثيرة كالكرازة والطرد من أجساد البشر، هيج عليه الشيطان الوثنيون فطرحوه فى إناء نحاس وأشعلوا تحته النار حتى مات وهذا يدل على إمكانية وجود أمناء حتى الموت للرب حتى فى كرسى الشيطان حيث الشيطان يصول ويجول، ويعمل مع الهراطقة ليفسدوا الإيمان الصحيح.
والمسيح يعاتب هذه الكنيسة إذ تراخت فى مقاومة هؤلاء معلنا أنه له السيف ذو الحدين القادر على مقاومة هؤلاء فلماذا الخوف.
وكان أنتيباس أسقفاً على برغامس وكان مشهورا بكرازته وبإخراج الأرواح النجسة. ولما إستشهد جاء بعده من لم يكن على نفس الدرجة من القوة، ربما بسبب الخوف فوجه له السيد هذه الرسالة وذكره بمن قبله أى أنتيباس ليكون أنتيباس قدوة له. ويكون بلا عذر إذ غلب أنتيباس فى نفس الظروف. وبالنسبة لنا فأنتيباس غلب وهو يسكن حيث كرسى الشيطان ونحن ما زلنا نقدم أعذار لأن الجو المحيط بنا معثر.
شهيدى = هى نفس كلمة شاهد. فالشاهد هو من يشهد للمسيح أما الشهيد فهو من يشهد للمسيح حتى الموت حتى سفك الدم، بسبب إيمانه بالمسيح.
آيات 18-29 "و اكتب الى ملاك الكنيسة التي في ثياتيرا هذا يقوله ابن الله الذي له عينان كلهيب نار و رجلاه مثل النحاس النقي. انا عارف اعمالك و محبتك و خدمتك و ايمانك و صبرك و ان اعمالك الاخيرة اكثر من الاولى. لكن عندي عليك قليل انك تسيب المراة ايزابل التي تقول انها نبية حتى تعلم و تغوي عبيدي ان يزنوا و ياكلوا ما ذبح للاوثان. و اعطيتها زمانا لكي تتوب عن زناها و لم تتب. ها انا القيها في فراش و الذين يزنون معها في ضيقة عظيمة ان كانوا لا يتوبون عن اعمالهم. و اولادها اقتلهم بالموت فستعرف جميع الكنائس اني انا هو الفاحص الكلى و القلوب و ساعطي كل واحد منكم بحسب اعماله. و لكنني اقول لكم و للباقين في ثياتيرا كل الذين ليس لهم هذا التعليم و الذين لم يعرفوا اعماق الشيطان كما يقولون اني لا القي عليكم ثقلا اخر. و انما الذي عندكم تمسكوا به الى ان اجيء. و من يغلب و يحفظ اعمالي الى النهاية فساعطيه سلطانا على الامم. فيرعاهم بقضيب من حديد كما تكسر انية من خزف كما اخذت انا ايضا من عند ابي. و اعطيه كوكب الصبح. من له اذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس".
كنيسة ثياتيرا
معنى كلمة ثياتيرا هو مسرح أو تمثيلية. وسنلاحظ أن شعب ثياتيرا يتظاهرون بالتقوى والقلب مبتعد بعيدا عن الله وفى هذا ينطبق اسم ثياتيرا على حال شعبها. ونلاحظ أن هذه الكنيسة أتت بعد برغامس (حيث إعتمدت الكنيسة على الدولة فبدأت تضعف ودخلها خطية الزنا). وكان نتيجة أن الكنيسة إعتمدت على قوة غير الله أن فقدت الكنيسة قوتها وتحولت عبادتها إلى مظهريات وهذا معنى كلمة ثياتيرا وفى وسط هذا الجو يسهل أن تجد الهرطقات من يسير وراءها. فالناس فى المسارح يحبون ما هو جديد وماله شكل مظهرى جذاب. ويترك الناس تقاليد وتعاليم أبائهم القديسين ويتركون الإيمان المسلم مرة للقديسين (يه 3) ويسيرون وراء التعاليم الجديدة. بل أن هناك من القيادات الكنسية الذين عاشوا هذه الحياة المظهرية من يسقط فى هذه البدع، فقد كان آريوس وغيره من أصحاب البدع كانوا من الإكليروس وكان منهم بطاركة وأساقفة وكهنة فهناك أناس يعيشون فى مظهرية التدين وينخدع فيهم الآخرين ويصلوا إلى أعلى الرتب الكنسية بينما هم فى حقيقة الامر يأخذون الديانة والعبادة كمظهر وكماليات يتحلون بها أمام الناس بينما هم فارغين من الداخل. وفى مثل هذا الجو تحدث بلبلة للناس ويضلون وتتوه الحقيقة. وهذا ما حدث فى هذه الكنيسة إذ إنتشرت بدعة إيزابل
إيزابل = هناك آراء عمن هى إيزابل فقد تكون هناك إمرأة بهذا الإسم فى هذه الكنيسة وقد إدعت أنها نبية أى أنها على إتصال بالله بينما هى فى الحقيقة تنشر تعاليما منحرفة، فهى تدعو للزنا والأكل مما ذبح للأوثان (أى الإشتراك فى طقوس العبادة الوثنية وهذه تشتمل على الزنا).
أو هى إشارة لصاحب هرطقة بهذا المفهوم وأطلق عليه إسم إيزابل، فإسم إيزابل فى الكتاب المقدس هو إسم إمرأة شريرة هى زوجة لملك شرير هو أخاب الملك ملك إسرائيل. وهما ادخلا العبادة الوثنية عبادة البعل إلى إسرائيل وعبادة البعل تشمل الزنا وعبادة الأوثان.
وأغلب الظن أن الرأى الأول هو المرجح وأن إيزابل هذه هى شخصية حقيقية وقد إدعت النبوة أى صار لها تعاليم خاطئة أسماها هنا معرفة أعماق الشيطان وهى بدعة نادى بها بعد ذلك بعض الفلاسفة والمعلمون المنحرفون وقالوا " أنه حتى نتعرف على الشر فنكرهه علينا أن نختبر أعماق الشر، أى أحقر ما فى الخطايا وغالبا كان هذا تعليم إيزابل. وكانت دعوتها للناس أن يزنوا معها = الذين يزنون معها = وهذه تعنى إما الزنا معها فعلا أو إتباع تعاليمها المنحرفة والأولى أرجح. والمشكلة أن أسقف هذه الكنيسة خاف منها لشعبيتها، وخاف أن يواجهها لذلك يعاتبه السيد قائلا = إنك تسيب المرأة إيزابل. وقد قال البعض أنها كانت زوجة الأسقف. وكانت تبشر بتعاليم النيقولاويين أى الزنا والإباحية وما يسمى شيوعية الزواج أى إباحة إقامة علاقة مع أى زوجة لأى شخص.
وواضح طبعا من هذا التعليم أنه تعليم شهوانى صرف، لقد إنفجرت شهوات هؤلاء الناس بسبب ضعف تدينهم، وقد إدعوا أن هذا التعليم تعليم إلهى وأنه بنبوة ولكن من يسلم نفسه لشهواته فهو قد وقع فى يد الشيطان وإرتبط برباطات قاسية مع الشيطان بل نقول لقد إستعبده الشيطان وهذا ما سمى هنا الأكل مما ذبح للأوثان، بل ما قيل عنه معرفة أعماق الشيطان، هؤلاء لم يعد لهم سلطان أن يدوسوا الحيات والعقارب (لو 19:10) بل صار الشيطان يدوسهم.
كيف ظهر المسيح لهذه الكنيسة: إبن الله ورجلاه مثل النحاس النقى = إبن الله إشارة للاهوته ورجلاه مثل النحاس إشارة لناسوته. والنحاس يحمل معنى الدينونة فهو دك برجلاه أعدائه أى الشياطين والموت والخطية (رو 3:8). وقوله النحاس النقى إشارة لأنه بلا خطية. والمعنى أن لاهوته متحد بناسوته. وهو قادر أن يدك الهراطقة ويفنيهم ويبيدهم، وهو قادر أن يدين الخطية داخل من يريد أى يريحه من حروبها وشهواتها. وكونه إبن الله فهو عالم بكل شىء وله قوة لا نهائية. عيناه كلهيب نار = له نظرات مرعبة للأشرار غاضبة، حين يروها يقولوا للجبال غطينا (رؤ 16:6) ولأولاد الله هو قادر أن يحرق شهواتهم داخلهم ويضع بدلاً منها محبة ملتهبة لله فى القلب. وهو قادر بعينيه الناريتين على معرفة ما فى قلوب المرائين.
الفاحص الكلى والقلوب = هو قادر أن يكشف الأعماق، أعماق المتظاهرين بالتدين ولكن تحركهم شهواتهم، ويفحص أعماق الهراطقة ويكشف زيف تعاليمهم. هو قادرأن يعرف من له تدين حقيقى ومن له تدين مظهرى، ومن يبحث عن المسيح حقيقة. إذاً المعنى أن السيد المسيح يريد أن يقول أنا عارف ما فى أعماقكم وقادر أن أدك وأدين وأخمد الشهوات التى فى داخلكم وأعطيكم قلبا ملتهبا بحب الله عوضا عن الشهوات. القلوب مركز المشاعر والكلى مركز لتنقية الدم، أى أن المسيح فاحص كل مشاعرنا وهل ننقى أنفسنا بالتوبة أم لا.
أنا عارف أعمالك. وإيمانك = هذه توجه لإخوتنا الذين لا يؤمنون بأهمية الأعمال للخلاص. ولاحظ أنه قدم الأعمال على الإيمان. فالأعمال تظهر حقيقة الإيمان إن كان حيا أو ميتا. فالله لا يرضيه الإيمان النظرى بل العامل بمحبة.
أيها الأحباء علينا أن ندخل فى عبادتنا للعمق حتى لا نعيش فى سطحية ومظهرية، وحتى لا نضل وراء كل ما هو غريب عن تعاليم الآباء. وكل من يحيا فى عمق يكشف له الله عن زيف أى هرطقة فيرفضها.
أعطيتها زمانا لكى تتوب = الله يعطى كل إنسان فرصة للتوبة، فإذا لم يستجب لها الإنسان، يبدأ الله فى تأديبه بضربات تصاعدية. فمن ضربة بسيطة لضربة أشد وتصل الضربات لموت الإنسان وهلاكه. والله يعطى فرصاً للتوبة فإن أهملها الإنسان ربما لا تأتى فرصة أخرى، ربما يموت قبل أن يتوب. فالله أعطى لفرعون فرصا عديدة لكى يتوب ولما رفض هلك. فعلينا أن لا نعتبر طول أناة الله علينا أنها تساهل من الله، بل علينا أن نعتبرها زمانا لكى نتوب، فإن لم نتب تضيع منا الفرصة ويبدأ الله فى تأديباته، وربما تنتهى الفرص ويسمع الشخص القول المرعب " يا غبى فى هذه الليلة تؤخذ نفسك"
وضربات الله التصاعدية التى نجدها هنا:- المرض = القيها فى فراش ثم الموت = أولادها أقتلهم بالموت = قد يكونوا من تبعوا ضلالتها ولاحظ ففراش زناها صار فراش مرضها. أنك تسيب المرأة = فواجب الراعى أن يسهر على حفظ الإيمان بالتعليم المستمر وكشف الهرطقات للشعب حتى لا ينخدعوا. ومهاجمة الأفكار الخاطئة الصادرة من أى شخص مهما كان مركزه فى الكنيسة. ويكون هذا بكل حزم. وعلى الراعى ألا يكون خروفاً متساهلاً ولا يكون أسداً أى قاسيا على شعبه. كلا من الشعب والراعى يحتاجون للإفراز. الشعب يحتاج للإفراز ليعرف التعليم الصحيح من الخاطىء والأسقف يحتاج للإفراز ليعرف كيف يتعامل مع شعبه.
أقول لكم وللباقين = الواو ليست للعطف والمعنى أقول لكم أنتم الباقين فى ثياتيرا الذين لم يقبلوا هذا التعليم ولم يسيروا وراء إيزابل.
لا ألقى عليكم ثقلاً آخر = لا أقدم لكم وصايا ولا شرائع ولا واجبات جديدة سوى أن تمتنعوا عن تعاليم إيزابل وتقاوموها وتعلنوا رفضكم لها.
الوعد لمن يغلب:- سلطانا على الأمم = أى سلطان على ممالك الشر التى يساندها إبليس. وسلطان لكل منا على شهواته وخطاياه. الأمم هم الغرباء وهنا المقصود الغرباء من الناحية الروحية أى إشارة لكل شهوة غريبة وكل فكر ردىء بعيد عن الله، والله يعطينا سلطانا أن ندوس كل هذا ببساطة = كآنية من خزف...يرعاهم بقضيب من حديد = يكون لك سلطان قوى عليهم فتكسرأطماع وغايات الأعداء فى تبديد الكنيسة وسينكسرون كخزف لا يصلح للإستعمال فيما بعد. وهلاك الأشرار سيكون بلا رحمة. ولكن تعنى أن الغالب سيكون فى السماء له قوة جبارة والشهوات التى كان يظنها جبارة ستنكسر وتكون كخزف مكسور بلا قيمة.
ولاحظ أن الكلام موجه لكنيسة ثياتيرا التى إشتعلت شهوات أفرادها وصاروا تحت أقدام إبليس، يشعرون أن الخطية تستعبدهم ولا فكاك لهم منها. وهنا كإمتداد للشكل الذى ظهر به المسيح. فعلى الأرض يبدأ أولاد الله فى التحرر من سلطان هذه الشهوات وفى السماء سلطان كامل عليها ويصبح إبليس تماما تحت الأقدام.
كما أخذت أنا من عند أبى = المسيح لم يقبل خطية من يد إبليس، بل كان الجسد بلا خطية كنحاس نقى. ولكن الشيطان دبر مؤامرة وأهاج الكل عليه حتى صلبوه ولكن بقيامته صار له كل المجد ووضع الله أعدائه تحت قدميه (مز 1:110) بعد أن جلس عن يمين الآب
كوكب الصبح = كوكب الصبح هوالمسيح نفسه (رؤ 16:22) + (2 بط 19:1) أى من يغلب أعطيه ذاتى تطبيقاً لقول عروس النشيد "انا لحبيبى وحبيبى لى" (نش 3:6) هذه مثل "أعطيه من المن المخفى" ولكن قوله المن يشير للشبع بالمسيح ولكن قوله كوكب الصبح يشير لأننا بالمسيح نستنير ونستطيع ان نميز بين الأشياء المتخالفة (فى 10:1) أو التمييز بين ما هو نور وما هو ظلام. فكوكب الصبح هو كوكب يظهر والظلام باق بعد، وظهوره يكون إيذانا بظهور النور. نورالشمس إذاً هوإعلان بقرب ظهور النهار فهذا الكوكب يعتبر الفيصل بين النور والظلام. والمعنى أن المسيح يقول لهذا الأسقف لماذا أنت خائف من هؤلاء الهراطقة أنا قادر أن أكشف زيفهم فأنا فاحص القلوب والكلى، بل سأعطيك ذاتى كنور لك، لتستمتع بنورى. سأنير عليك بنورى الإلهى وأعطيك أن تكشف بين ما هو نور وما هو ظلام فى تعاليمهم وأنا قادر أن أدينهم ولنذكر نهاية آريوس الرهيبة حين إندلقت أحشاؤه خارجاً. ما عليك يا أسقف ثياتيرا إلا أن تعلن مواجهة لكنيستك وشعبك عن خطأ إيزابل والهراطقة. وأنا سأعينك وأدينهم وأعطيك سلطانا عليهم. من يغلب = يتمسك بالله فيعطيه نعمة قادرة أن تضبط شهواته فلا ينساق وراءها.
الى القاء فى الاصحاح الثالث والرب معكم