ما بين كنيسة برغامس وكنيسة ثياتيرا
للوهلة الأولى نجد أن المشكلة فى كنيسة برغامس هى نفس مشكلة كنيسة ثياتيرا ولكن بالتدقيق نلمح فرقاً مهماً.
ففى برغامس: قال "أن يأكلوا ما ذبح للأوثان ويزنوا.... قوم متمسكون بتعاليم النيقولاويين" أما فى ثياتيرا: فقال "أن يزنوا ويأكلوا ما ذبح للأوثان.... يعرفوا أعماق الشيطان".
برغامس : تشير تاريخياً لفترة ضعفت فيها الكنيسة لأنها بدأت تعتمد على الإمبراطور. وبدأ الأباطرة يرأسون المجامع. وبدأ الأساقفة يحلون مشاكلهم عن طريق الإمبراطور. وبدأت الكنيسة تخاف من الإمبراطور ( أما فى كنيسة سميرنا فكانوا لا يخافون الموت إيماناً منهم بالله فلم توجد وسطهم أى خطية يلومهم الله بسببها). وهنا فى برغامس إذ حدث هذا الإقتران بين الدولة والكنيسة، صار للكنيسة إله آخر غير الله تعتمد عليه الكنيسة وتستعين به. فضعفت الكنيسة، فهذا زنا روحى. لذلك ذكر الأكل مما ذبح للأوثان أولاً ثم قال ويزنوا إشارة للزنا الروحى ونتيجة لهذا الضعف دخل الإنحلال أى تعاليم النيقولاويين (الإباحية).
وفى ثياتيرا إزداد الضعف بالأكثر. فإنتشرت البدع والتعاليم الفاسدة فصار تعليم الزنا الجسدى أو ممارسة الزنا منتشراً (لقد ساءت الامور عن الوضع الذى كان فى برغامس). لذلك بدأ بقوله أن يزنوا. ونتيجة ممارسة الزنا تطوحوا ليقعوا فى يد الشيطان. ويزداد الفجور وتصل الأمور لتعليم إيزابيل أن عليهم أن يعرفوا أعماق الشيطان أى فليجربوا أعماق الخطية ليكرهوا الخطية، وهو تعليم فاسد فكراهية الخطية تأتى بالإبتعاد عنها وليس بممارسة أعماقها.
فالأكل مما ذبح للأوثان فى برغامس يشير لاشراك الاباطرة فى امور الكنيسة، ويشير الاعتماد على الاباطرة لعبادة الأوثان والخوف منهم وطاعتهم حتى فيما هو خطأ والاستعانة بهم لمصالحهم. أما الأكل مما ذبح للأوثان فى ثياتيرا هو وقوعهم فى يد الشيطان نتيجة ممارستهم الزنا، فدخلوا لهياكل الأوثان فعلا واكلوا. لقد صار لهم رباطات مع الشياطين فدخلوا لأعماق الشر.
أيات 12-17 "و اكتب الى ملاك الكنيسة التي في برغامس هذا يقوله الذي له السيف الماضي ذو الحدين. انا عارف اعمالك و اين تسكن حيث كرسي الشيطان و انت متمسك باسمي و لم تنكر ايماني حتى في الايام التي فيها كان انتيباس شهيدي الامين الذي قتل عندكم حيث الشيطان يسكن. و لكن عندي عليك قليل ان عندك هناك قوما متمسكين بتعليم بلعام الذي كان يعلم بالاق ان يلقي معثرة امام بني اسرائيل ان ياكلوا ما ذبح للاوثان و يزنوا. هكذا عندك انت ايضا قوم متمسكين بتعاليم النقولاويين الذي ابغضه. فتب و الا فاني اتيك سريعا و احاربهم بسيف فمي. من له اذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس من يغلب فساعطيه ان ياكل من المن المخفى و اعطيه حصاة بيضاء و على الحصاة اسم جديد مكتوب لا يعرفه احد غير الذي ياخذ".
كنيسة برغامس
تاريخياً كنيسة برغامس تأتى فى الترتيب تالية لكنيسة سميرنا التى كانت تشير لفترة الإضطهادات التى إنتهت بموت الملك دقلديانوس ومجىء الملك قسطنطين. ولكن ما حدث بعد ذلك أن الأباطرة آمنوا وصاروا مسيحيين، وحدث نوع من التقارب بين الأباطرة والكنيسة، فصارت الكنيسة تدعم الإمبراطور وللأسف صارت تعتمد عليه فى بعض الأحيان، بل صار الأباطرة يفرضون رأيهم على الكنيسة. وحين تأثر الأباطرة بأراء الهراطقة تسللت للكنيسة أراء هؤلاء الهراطقة بضغوط من الأباطرة وخطأ الكنيسة هنا أنها:-
1. إعتمدت على الأباطرة، وملعون من إتكل على ذراع بشر، وإذا إعتمدنا على أحد سوى الله تفسد العلاقة بيننا وبين الله، فالمتكلين على غير الله يصعب دخولهم ملكوت السموات كجمل من ثقب إبرة (مر23:10-25).
2. سمحت للأباطرة بالتدخل بل رأس بعض الأباطرة مجامع. وسمحت للأراء الهرطوقية أن تتسلل. وواجب الكنيسة أن تحفظ الإيمان المسلم مرة للقديسيين (يه 3) وتحفظه نقياً كما تسلمته بدون أى تغيير.
إذاً مشكلة هذه الكنيسة أنها فتحت أبوابها لهرطقات وبدع كثيرة. فهناك قوم متمسكون بتعليم بلعام = وهذا أشار على ملك موآب بأن يسقط بنى إسرائيل فى خطية الزنا، ويبخروا للأوثان فيلعنهم الله. وهناك قوم متمسكين بتعاليم النقولاويين. حقاً إن الأسقف نفسه متمسك بإيمانه = وأنت متمسك بإسمى ولم تنكر إيمانى. ولكن هذا لا يكفى فواجب الأسقف أن يحارب الهرطقات والبدع مستخدماً كلمة الله فى الكتاب المقدس. لقد إهتزت علاقة الأسقف بالله إذ إعتمد على الإمبراطور، فكان هذا كعبادة الأوثان، وبدأت حالة الشعب فى الضعف الروحى، وبالتالى دخلت الخطايا كالزنا والإباحية. والحالة تردت أكثر جدا فى ثياتيرا.
وقد يبدو أن الأسقف برىء ولكن قوله آتيك وأحاربهم بسيف فمى لا يعنى فقط أن الله سيحارب الهراطقة، بل هو سيأتى للأسقف ويحاسبه على تقصيره فى خدمته لأنه يقول له آتيك.
والصورة التى ظهر بها المسيح لهذا الأسقف. الذى له السيف الماضى ذو الحدين = والسيف يشير لكلمة الله (عب 12:4) وحدا السيف هما:-
1. الحد الأول:- ينقى من يسمع كلمة الله " أنتم الآن أنقياء بسبب الكلام الذى كلمتكم به (يو 3:15). وكلمة الله تلدنا ثانية (1 بط 23:1). فكلمة الله لها القدرة أن تميت فينا شهواتنا وأهوائنا فنتنقى كمن ولدوا جديداً هى كمشرط الجراح الذى يزيل به ورماً خبيثاً فيولد الإنسان من جديد.
2. الحد الثانى:- من يرفض ويقاوم كلمة الله بدلاً من أن يخضع لها، يحاربه الله بسيف فمه (رؤ 16:2) فكلمة الله تدين وتحكم على المعاند (يو 48:12). وإذا حارب الله إنساناً فكيف يصمد؟!
إذاً من يسمع كلمة الله ويتوب يحيا ومن يرفض التوبة يدينه الله ويموت يو 25:5 ومعنى الصورة التى ظهر بها الله للأسقف أن الله مستعد أن يضع على فمه كلمته التى يرد بها الأسقف على الهراطقة، والله مستعد أيضاً أن يحاربهم ويدينهم فلماذا الخوف من الهراطقة ؟ على الكنيسة أن تعلن كلمة الحق ولا تخاف من شعبية هؤلاء الهراطقة ولا من قوة الإمبراطور. بل تعتمد إعتماداً كاملاً على الله الذى يدافع عن كنيسته وعن إيمانها.
تطبيق من الكتاب المقدس:- لقد إستعمل الله مع فرعون الحد الأول لكلمته وكان يرسل مع موسى كلماته. وكان فرعون يتأثر لفترة قليلة ولكنه يعود لقسوته، ولما عاند ورفض كلمة الله وإنذاراته حاربه الله بالحد الثانى " انتم تصمتون والرب يدافع عنكم " وغرق فرعون إذ حاربهم الله.
كرسى الشيطان = بسبب إنتشار عبادة الأوثان وما يصاحبها من زنا. وحيث إنتشر إضطهاد المسيحيين وإنتشرت الهرطقات الكثيرة.
أن يأكلوا ما ذبح للأوثان = معناه الإشتراك الدينى الوثنى فى ولائم الأوثان وكانت ضلالة بلعام شاملة للزنا ولعبادة الأوثان، فبنات موآب أغوين الشعب على الزنا وعبادة آلهتهن الوثنية. وكانت مشورة بلعام لبالاق ملك موآب أن يجعل بنى إسرائيل يزنون ليلعنهم الله، وكان هذا ليأخذ الأموال من بالاق، لأنه لم يستطع هو أن يلعنهم لأن الله باركهم وبلعام يرمز لكل خادم يبرر الخطية طمعاً فى الربح. وغالبا فهى ترمز هنا لإشراك الاباطرة فى ابداء ارائهم فى المشاكل اللاهوتية (اكل مما ذبح للأوثان) ففرض الامبراطور ما يراه من هرطقات على الأساقفة، والبعض قبلوا فهم عليهم دين للامبراطور الذى استعانوا به قبلا (زنا روحى).
لقد كثرت البدع فى هذه الكنيسة والمسيح كان على إستعداد لمعاونة أسقفها:
1. إما بتأييده بكلمته التى تفحم الهراطقة (حد السيف الأول).
2. أو يحاربهم بسيف غضبه وإنتقامه (حد السيف الثانى).
ملحوظة هامة:- لم نسمع عن هرطقات ولا مشاكل فى كنيسة سميرنا المتألمة. لكن سمعنا عنها بكثرة هنا فى كنيسة تعيش فترة راحة. وهذه هى مشاكل الراحة.
لذلك علينا أن نسهر دائما مصلين ومنتبهين ومسبحين حتى فى أوقات الراحة حيث لا آلام ولا تجارب، فإذا أتت التجارب لا نفشل.
الوعد لمن يغلب: أن يأكل من المن المخفى = المن إشارة لجسد المسيح(يو48،32،31:6-51) ولكن هل هناك تناول فى السماء كما يحدث الآن على الأرض؟ قطعاً لا. فالله أعطانا أن نتناول من جسده ودمه غفراناً لخطايانا التى نرتكبها. وفى السماء لا توجد خطايا فلا داعى للتناول ويصير معنى الأكل من المن المخفى هو الشبع بالله وذلك لإنكشاف طبيعة الله للإنسان حين نراه وجهاً لوجه، نعرفه كما عرفناه (1كو12:13) وهذه هى الحياة الأبدية أن نعرفه (يو3:17). والتناول الآن يفتح أعيننا على معرفة المسيح كما إنفتحت أعين تلميذى عمواس حين كسر الخبز أمامهم. وحين تنفتح أعين الأسقف أو أعيننا
1. لا نعود ننخدع بخداعات الهراطقة.
2. لا نعود نتكل على أحد سوى المسيح إذ عرفنا قدرته وقوته.
ومن يغلب ولا ينخدع نكون مكافأته أن يرى المسيح فى مجده (1كو12:13).
وأعطيه حصاة بيضاء = كان القاضى يعطى المتهم حصاة بيضاء إذا إتضحت براءته، أما المحكوم عليه فيعطونه حصاة سوداء والمعنى أن هذه الأسقف سيبرره الله لو قام بواجبه تماما. وبالنسبة لنا لن يدخل السماء سوى من يغلب ويتبرر
الشكل : سيف ذو حدين الوعد
حد ينقى ويعلم فنشبع من الله ç من = شبع كامل لإنكشاف طبيعة الله.
حد يحكم بقضاء عاجل أما لو غلبç حصاة بيضاء أى يتبرر.
وعلى الحصاة إسم جديد مكتوب لا يعرفه أحد غير الذى يأخذ = الإسم يشير للشخصية. فإذا قلنا يهوذا نتذكر الخيانة وإذا قلنا يوحنا نتذكر الحب وحين يقول المسيح للآب سأعرفهم إسمك (يو 26:17) يقصد أنه سيكشف لنا عن شخص الآب وطبيعته ومحبته فالله محبة، وعن قدرته وقوته وعظمته. ومن يغلب أعطيه إسم جديد أى شخصية جديدة غير شخصيته الحالية. فمهما كان فينا من عيوب الآن فكل هذا سيتغير فى السماء وتكون لنا شخصية جديدة وكيان جديد بلا عيوب ولن يعرف هذا التغيير الجذرى فى طبيعة الشخص سوى الشخص نفسه (1كو 11:2) + (2 كو 18:3) إذا فلنحفظ إيماننا بلا شوائب ولنثبت فى إيماننا المسلم لنا دون تغيير حرف أو نقطة من هذا الإيمان لكى نغلب ونرى المسيح فى مجده ويكون لنا الإسم الجديد والتبرير ونرث السماء وهذه موجهة لهذا الأسقف الخائف فالله يعده بحياة جديدة وشخصية جديدة على الأرض وفى السماء. وما نأخذه على الأرض هو عربون ما سنحصل عليه فى السماء. وبنفس المفهوم نعطى للأسقف أو الكاهن أو الراهب وأيضا المعمد إسما جديدا رمزا لحياتهم الجديدة.
من يغلب = يسمى برغامس كرسى الشيطان حيث الشيطان يسكن. فالشيطان له نفوذ صعب فى هذه الكنيسة من زنا وهرطقات وتدخل وتأثير الإمبراطور والمسيح يطلب من الأسقف أن يتوب عن تهاونه = فتب. فحياتنا وحياة كل خادم فى الكنيسة حتى الأساقفة هى حياة جهاد، وهناك من يغلب وهناك من ينهزم. والسماء تراقب جهادنا ويفرحون بمن يغلب، والله لا يكتفى بأن يفرح بمن يجاهد بل يعطى قوة ومعونة لنغلب (رو 26:8) + (فى 13:4).