لاأدري من أين أبدأ .... كيف أصفُ شعوري عندما أحسستُ للمرة الأولى في حياتي بتيّارٍ جديدٍ يدبُّ فيها فيُحيلها من جمودها القاتل إلى تفتّحٍ وإقبالٍ لا نظيرَ لهما .
هل يمكن أن يقعَ تحت سلطان القلم والسطور، شعورٌ سما فرقَّ وارتفع كالسعادة، فمهما أوتي الإنسان من براعةِ التصوير، ورِقّةِ الإحساس، ودقّةِ الوصف، فإنّه يقفُ عاجزاً عنِ التعبير عن كُنه إحساسه بالسعادة
لأنّها فوق كلِّ كلمة، وأرفع من قيودِ الجمل والتعابير .
السعادة ....! تلك الكلمة التي تضمّنت كلّ مشاعر الرضى والغبطة والإرتياح التي يمكن للإنسان أن يُحسّها ويحياها، وهي تختلف من شخصٍ لآخر، ولكنّها تتشابه في مضمونها المعنوي .
من منا لم يغرق في هذه الكلمة ويبحث عنها في حياته منقّباً باحثاً مفتّشاً، ومن منا لم يقضِ اللّيالي الطِوال وهو يحضّر ويبني لكي يظفر بالنهاية بما يرمي إليه، حتّى إذا نال ما يريد وحصل على ما تمنّى، أحسَّ بشعورٍ غريبٍ لذيذٍ يسمّيه السعادة، لأنّه قامَ بواجبه .
لكنّ مفهوم السعادة يختلف من كائنٍ إلى أخر، فالفقير في كوخِه المعتم وجيبِهِ الخاوي وثوبه الممزّق، يراها قصراً منيفاً وجيباً ممتلئاً ومظهراً لائقاً، والغني المريض يراها صحّةً وحيويّةً وشباباً، والطالب المجتهد يراها نجاحاً تكلِّله شهادة يضعها ضمن إطار .
لكن هل هذه هي السعادة ....؟!
كلاّ .. يا أحبائي .. فبرأيي لاسعادة بلا حب .... فشعور الإنسان بالرضى بعد النجاح، وبالغنى بعد فقر، وبالصحّة بعد مرضٍ طويلٍ، لايمكن أن نسمّيه سعادة مطلقاً .
إنّ السعادة الحقيقيّة هي بالحبّ العميق الذي يذيبُ القلوب، ويحطّم الأنانيّة ويقضي على الكبرياء ....
السعادة الحقيقيّة ..... بالمحبّة التي تعمرُ القلوب فتضيئها ببريقٍ جديدٍ لذيذ، وهذه المحبّة هي تلك الشعلة من النورِ والنار التي تحترق فتضيء القلوب، فهي ليست من بعدُ قلوباً متباينة، بل هي قلبٌ واحدٌ يُحسّ،
ونفسٌ واحدةٌ تفكّر، وضميرٌ متكاملٌ يبني ويعمل، وعندما يغرق الإنسان في هذا الطوفان من الحبّ ومتى يتحرّر من قيود الأنانيّة والكبرياء، فينسى نفسه وكيانه ويندفعُ بكلِّ عزيمته نحو حبٍّ لاحدود له، ويعطي من قلبِه ونفسِه وعقلِه .
حينئذٍ يستطيع القول : لقد ظفرتُ بالسعادة حقّاً ومتى أحسَّ الإنسان بالسعادة تحوّلتْ حياتُه إلى سلسلةٍ طويلةٍ قصيرةٍ من اللّحظات المغمورة بهذا الشعور اللذيذ .
إذاً .... إذا كنتَ تبحث عن السعادة ففتش أولاً عن الحبّ لأن لا سعادة بلا حبّ .