آية1 "اعلان يسوع المسيح الذي اعطاه اياه الله ليري عبيده ما لا بد ان يكون عن قريب و بينه مرسلا بيد ملاكه لعبده يوحنا".
إعلان REVELATION من REVEAL أى يكشف القناع أو شىء ينكشف للعيان أو يُباح به فيظهر ما كان خفياً، فهو كشف الأسرار الإلهية للبشر. ويسمى أيضاً الجليان من جعل الشىء جلى أى واضح. وكلمة إعلان باليونانية هى أبو كاليبسيس أى رفع الغطاء ومنها جاءت فى لغتنا العربية العامية ليلة أبوغالمسيس التى نطلقها على ليلة سبت النور إذ نقرأ فيها سفر الرؤيا كاملاً.
ويسمى سبت النور لأن المسيح أشرق بنوره على الجالسين فى الظلمة وظلال الموت ونقلهم من الجحيم إلى الفردوس فهو نزل إلى الجحيم من قبل الصليب لينقل الذين رقدوا على رجاء، وكانوا قد أرضوا الرب بأعمالهم فى العهد القديم ينقلهم من الجحيم إلى الفردوس (أش2:9) + (مت16:4) + (زك12،11:9) + (آف9،8:4) + (1بط19:3). وأثناء قراءة سفر الرؤيا تضاء سبعة قناديل رمزاً للسبعة الكنائس (التى وجه الرب لها رسائل عن طريق يوحنا فى الإصحاحين 3،2 وهى كنائس فى آسيا الصغرى والتى كان يوحنا يرعاها) وحيث ان رقم 7 هو رقم كامل فالمقصود أن السبعة قناديل هى رمز للكنيسة كلها التى صارت نوراً للعالم. ونحن نقرأ سفر الرؤيا ليلة سبت النور لأن المجد المعد للكنيسة قد إنكشف وصارت تنعم بالفردوس بعد صلب المسيح إذ فتح باب الفردوس للكنيسة والكنيسة تجعلنا نحلق مع المسيح فى الفردوس الذى ذهب إليه فى هذه الليلة والله يكشف عن أسراره لمن يحبهم، لذلك يكشفها ليوحنا الحبيب كما كشف لإبراهيم من قبل عن خراب ودمار سدوم وعمورة، ويعلن كذلك للكنيسة التى أحبها واحبته أسراره فى هذه الرؤيا.
إعلان يسوع المسيح الذى أعطاه إياه الله = الرب يسوع هو الذى إقتبل هذا الإعلان كرأس للكنيسة. وإذ هو فكر الله الأزلى والحكمة الإلهية فهو يعرف كل شىء من ذاته. ولكن المقصود هنا أن الآب أعطى للإبن أن يكشف للكنيسة عن هذه الأسرار ودائماً الآب يريد والإبن والروح القدس يحولان هذه الإرادة إلى فعل. فالآب يريد أن الجميع يخلصون والإبن نفذ هذا بتجسده وصليبه والروح القدس يعمل فى الكنيسة الآن ليثبتها فى المسيح. وهنا الآب أراد أن يعلن للكنيسة هذه الأسرار بالابن ( راجع تفسير الاصحاح الخامس من انجيل القديس يوحنا) . والإبن نفذ إرادة الآب واعلن هذه الاسرار، وما كان هذا ممكناً لولا أن الكنيسة أصبحت مقبولة بسبب دم المسيح، وأن المسيح صار رأساً لها. وصار يوحنا بل صارت الكنيسة كلها فى المسيح، فنحن نعرف هذه الأسرار من خلال وجودنا وثباتنا فى المسيح يسوع.
يسوع = المخلص
المسيح = اى الممسوح والمفرز والمخصص ليفدى الكنيسة ويكون كاهناً ونبياً وملكاً عليها. والمسيح مُسِحَ بالروح القدس على هيئة حمامة (شىء كامل لأن الروح القدس حل على المسيح كاملاً). اما الأنبياء والملوك ورؤساء الكهنة فى العهد القديم، وكل فرد مؤمن فى الكنيسة الآن فهو يحصل بقدر ما يحتمل. لذلك حل الروح القدس على هيئة ألسنة نارية منقسمة على التلاميذ يوم الخمسين، اى ليس حلولاً كاملاً. وفى العهد القديم كانوا يمسحون بدهن المسحة ليتمكنوا من القيام بأعمالهم (كأنبياء وملوك ورؤساء كهنة فقط).
فحين يقول الله أعطى ليسوع المسيح فهذا بحسب ناسوته وكرأس للكنيسة لكى يعلنه لها، والمسيح أعطاه ليوحنا ليعطيه يوحنا للكنيسة التى هى جسد المسيح. عبيده = المسيح يقول لا أسميكم عبيداً لكنى قد سميتكم أحباء (يو15:15) ولكننا نحن نتلذذ بأن نستعبد انفسنا لله، فالعبودية لله تحرر، بل إن حتى إخوة المسيح بالجسد مثل يعقوب ويهوذا لم يسموا أنفسهم إخوة المسيح بل سموا انفسهم عبيداً له (يع1:1) + (يه1) + (رو1:1) لقد صرنا أسرى محبة المسيح، تذوب إرادتنا فى إرادته، ونطيعه حتى الموت.
مالابد أن يكون =
1. مقاصد الله حتمية.
2. الله يرى المستقبل حاضراً أمامه كأنه الآن.
مرُسلاً بيد ملاكه = فالملائكة هم خدام الإعلانات منذ العهد القديم ولهم دور محورى فى الإعلانات.
التدرج فى الخدمة والإعلانات:- المسيح هو الله، ولكنه يتكلم عنه هنا كوسيط بين الله والناس، ليس الإبن الازلى فقط بل الإبن المتجسد الوسيط، الإبن هو أقنوم المعرفة والحكمة وكل ما هو للآب هو للإبن. وقيل عن الإبن أنه مخبأ فيه كل كنوز الحكمة. وقيل لا يعرف الآب إلا الإبن، فهو أقنوم المعرفة فى الثالوث القدوس، وفى 1 كو 24:1 قيل عنه أنه حكمة الله. وهو بهذا يعرف كل الأشياء فالمعرفة هى للآب والإبن لكنها فى سلطان الآب وحده، يعلنها حين يريد، ويعلنها عن طريق الإبن للكنيسة كرأس للكنيسة. مثال:- الوزراء كلهم يعرفون الأسرار ولكن هناك وزير واحد له سلطة الإعلان، فالآب والإبن يعرفان ولكن السلطان هو للآب. او يمكن القول ان الآب يريد والابن ينفذ هذه الارادة. وتشبيه آخر نقول أن العقل أعطى أن يظهر الفكر للناس والمسيح حين أراد أن يظهر الفكر للناس (عن طريق يوحنا) أعطى الملاك والملاك أعطى ليوحنا ويوحنا أعلن للكنيسة. فالله يحب الترتيب. نقول هذا لمن يقولون لا داعى لأن يوجد كهنوت، فلنتصل بالله مباشرة ونرد على هذا، أولاً بالتدرج الذى رأيناه هنا وثانياً بمعجزة الخمس خبزات حيث أعطى المسيح لتلاميذه، والتلاميذ أعطوا الجموع.
ونرى أن الملاك صار مرافقاً ليوحنا خلال هذه الرؤيا، وهذا يشير للمحبة والصداقة التى صارت بين الملائكة والبشر (أف10:1). ونلمس خلال السفر فرح الملائكة بالمجد المعد للبشر، وأن الملائكة صاروا ينذرون الأشرار، فهم يفرحون بخاطىء واحد يتوب. وكان الملاك يشرح ليوحنا ما يحتاج إليه من إيضاحات، فالملائكة أرواح خادمة (عب14:1).
أية 2 "الذي شهد بكلمة الله و بشهادة يسوع المسيح بكل ما راه".
الذى شهد = فيوحنا كان شاهداً ينقل ما رآه وسمعه من المسيح وفى بطمس.
أية 3 "طوبى للذي يقرا و للذين يسمعون اقوال النبوة و يحفظون ما هو مكتوب فيها لان الوقت قريب".
ويحفظون =
1. ينفذون وصايا السفر.
2. يتجنبون ما حذر منه السفر.
3. يتعلمون التسابيح التى فى السفر وهى لغة السماء.
4. يقرأونه كثيراً ليحفظونه ويحفظون كلماته.
ولاحظ فالله لم يطوب من يفهم أسرار سفر الرؤيا، وتوقيت كل حدث بل طوب من يحفظ ما جاء بالسفر.
فالسفر مكتوب بأسلوب نبوى، والنبوات لا يمكن فهمها إلا حينما تتم ومثال ذلك:-
1. من كان يستطيع ان يفهم ان العذراء تلد إبناً (أش 14:7).
2. من كان يستطيع أن يفهم أن هناك من يموت ويقوم بعد 3 أيام (هو 2،1:6).
3. من كان يستطيع أن يفهم ان الله الأزلى سيولد فى بيت لحم (مى 2:5).
إذاً المطلوب فهم السفر روحياً وحفظ ما جاء فيه، أما النبوات الغامضة فلن نفهمها إلا فى حينه، حين يريد الله أن يكشف القناع عن النبوة، وربما حينئذ نكتشف أمراً يوجهه لنا الله لننفذه.
وهناك دراسات تحدد يوم المجىء الثانى، وهناك من حدده بانه فى سنة كذا أو يوم كذا.... ولا نستطيع أن نعلق على هذا إلا بأن هؤلاء يلزمهم أن يتعلموا التواضع، فإن كان السيد المسيح يقول أن هذه الساعة لا يعلمها أحد ولا الملائكة ولا الإبن إلا الآب (مر32:13) فمن هذا الذى يستطيع أن يحدد هذا اليوم. وبعد ما قلناه سابقاً فما معنى أن المسيح لا يعلم هذه الساعة؟
1. هو لا يريد أن يعلنها، فحين يقول لا أعرف فالمعنى لا أريد أن أعلن كما قال عن بعض الأشرار لا أعرفكم (مت 23:7) بمعنى أنه يستنكر تصرفاتهم.
2. الآب لا يريد أن يعلن، فهو لم يعط للإبن أن يعلن.
فمن هذا الذى يستطيع أن يحدد الساعة التى لا يعلمها إبن الإنسان؟!
ولكن السيد المسيح أعطى لكنيسته هذه العلامات للإستعداد والسهر دائماً (مر33:13) إسهروا وصلوا وأيضاً فى (مر7:13) يقول لا ترتاعوا فإذا كان الله يعلم وقد أخبرنا بما سيحدث قبل 2000 سنة فهو إذاً ضابط الكل الذى كل شىء بيده، ويعرف كيف يحفظ أولاده وسط هذه الضيقات ولكن علينا نحن أولاده أن نصبر كما قال فى (مر13:13) ولكن الذى يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص. ونلخص ما سبق فالمسيح يكشف لنا كل هذا حتى:
1. لا نرتاع،
2. نستعد ونسهر،
3. أن نصبر.
فالله سبق وأخبرنا أنه سيكون هناك ضيقات ولكنه طلب الصبر فى الضيقة والسهر والصلاة، ومن يصبر ولا يتذمر يفتح الله عينيه على المجد المعد لمن يصبر ويعطيه الله تعزيات تسنده فى ضيقته فيزداد صبراً وإحتمالاً ومن ثم تنفتح عينيه بالأكثر ويزداد عزاؤه وهكذا.
طوبى للذى يقرأ وللذين يسمعون = يسمعون أى ينفذون ما يقرأون، ويصبروا على الضيقات التى تواجههم، هؤلاء يتعزون ويزداد إشتياقهم للسماء. الطوبى هى لكل من يخبىء كلام الله فى قلبه ويحيا بحسبه.
النبوة = سفر الرؤيا هو السفر النبوى فى العهد الجديد.
آية 4 "يوحنا الى السبع الكنائس التي في اسيا نعمة لكم و سلام من الكائن و الذي كان و الذي ياتي و من السبعة الارواح التي امام عرشه".
إلى السبع الكنائس = ربما تشير للسبع كنائس التى خدمها يوحنا فى آسيا الصغرى والتى سترد أسماءها فى الإصحاحين 3،2. ولكن لأن رقم 7 هو رقم كامل، فالكلام إذن موجه إلى كل الكنائس أو كل الكنيسة فى كل زمان ومكان. ولكن هنا فى الرسائل كلام يصلح لهذه الكنائس التى عرفت يوحنا كرسول عاش بينهم ولكن هذا الكلام يصلح للكنيسة عبر العصور.
نعمة لكم وسلام = النعمة هى إرسال الروح القدس ليحل على البشر بإستحقاقات دم المسيح، والنعمة هى ايضا عمل الروح القدس فى تجديدنا، وهو يعطى شفاء للنفس ويهبها سلام. لذلك فمن ثمار الروح القدس السلام (غل23،22:5) وفى آية 9 يقول يوحنا فى تواضعه "أخوكم وشريككم" ولكنه كرسول له أن يعطيهم السلام ولكن الذى يمنح السلام هو الله. لذلك نفهم أن الكاهن حين يقول "إيرينى باسى" أى السلام لكم فهو يعطى السلام ليس من نفسه بل من الله. فالكهنة أناس أستؤمنوا على بركات الله ليوصلوها للناس فالكهنوت حامل بركة.
الكائن = الكائن الآن بذاته، غير معتمد على أحد فى كيانه بينما كيان الإنسان معتمد على الله.
الذى كان = الأزلى، أنا كائن منذ الأزل أى لابداية لى.
الذى يأتى = الأبدى، الدائم للأبد، وسيأتى للدينونة وهذا شرح لكلمة يهوة.
ومن السبعة الأرواح = هناك رأيان أولهما أن السبعة الأرواح هم سبعة ملائكة للسبع الكنائس أو هم ميخائيل وغبريال وروفائيل وسوريال...
والرأى الثانى أن هذا وصف لعمل الروح القدس الكامل، فرقم 7 هو رقم كامل. فالروح القدس يعمل فى السبع الأسرار وهو الذى يعطى الثمار والمواهب، هو يعمل كل شىء للكنيسة، يقود ويبكت ويعلم ويذكر ويخبرنا بكل ما هو للمسيح. هو يملأ الكنيسة ويملأ كل مؤمن على حدة ليثبت الكل فى المسيح (هذا طبعاً لمن يريد ويجاهد) والرأى الثانى هو المرجح فإسم المسيح جاء بعد السبعة الأرواح ولا يعقل أن إسم المسيح يأتى بعد الملائكة فى الترتيب.
التى أمام عرشه = فى (زك14:4) رأينا إبنا الزيت الواقفان عند سيد الأرض كلها، وكان هذا إشارة لإهتمام الله وإشتياقه لإرسال الإبن والروح القدس للأرض لإعداد الكنيسة كعروس للمسيح ورجوعها للأحضان الأبوية. والآن وقد أرسل الإبن لذلك نرى الروح القدس أمام العرش بمعنى ان الله الآن إهتمامه الأول بعمل الروح القدس فى تجديد الخليقة لتصبح عروساً للمسيح لتعود للأحضان الإلهية الأبوية. أمام عرشه أى أمام عينيه، أنظاره أى إهتمامه موجه لهذا العمل ولقد ذكر الروح القدس قبل المسيح لأن الكلام سيكمل بعد ذلك عن المسيح.