ليس
كل فكر شرير يجول بذهنك يحسب خطية، فهناك فرق بين حرب الفكر، والسقوط
بالفكر. حرب الفكر، هو أن يلح عليك فكر شرير. و أنت غير قابل له، وتعمل
بكل جهدك وبكل قلبك على طرده، ولكنه قد يبقى بعض الوقت. و بقاؤه ليس
بإرادتك، لذلك لا يحسب خطية. بل إن مقاومتك له تحسب لك برا، أما السقوط
بالفكر فهو قبولك الفكر الشرير، والتذاذك به، واستبقاؤك له، وربما اختراعك
لصور جديدة له … والسقوط بالفكر قد يبدأ من رغبة خاطئة في قلبك، أو من شئ
مختزن فى عقلك الباطن. أو قد يبدأ بحرب للعدو من الخارج، تقاومها أولاً،
ثم تستسلم لها وتسقط، وتتطور في سقوطك. أو قد تسقط في الفكر إلي لحظات،
وترضى به، ثم تعود فتستيقظ لنفسك وتندم، وتقاومه فيهرب. على قدر ما تقاوم
الفكر، تأخذ سلطاناً عليه، فيهرب منك، أو لا يجرؤ على محاربتك. وعلى قدر
ما تستسلم له، يأخذ سلطاناً عليك، ويجرؤ على محاربتك. بيدك دفة الحرب،
وليس بيده، الفكر يحس نبضك، وعلى حسب حالتك يحاربك. قال السيد المسيح"رئيس
هذا العالم يأتي ، وليس له في شئ" (يو 30:14). أما أنت، فهل عندما يحاربك
الشيطان، يمكنه أن يجد فيك شيئاً له. إن الفكر يختبر قلبك: هل يوجد فيه ما
يشابهه؟ و"شبيه الشيء المنجذب إليه؟.. أو هل يمكن إيجاد هذا الشبيه؟ فإن
كان قلبك من الداخل أميناً جداً، لا يخون سيده مع هذه الأفكار، ولا يفتح
لها مدخلاً إليه، ولا يتعامل معها، ولا يقبلها، حينئذ تهرب منه الأفكار،
وتخافه الشياطين.. أما إن تساهل القلب مع الأفكار، فحينئذ تجرؤ عليه. هناك
أفكار شريرة تدخل إلي القلب النقي لتساهله معها. هناك أفكار شريرة تخرج من
القلب الشرير لعدم نقاوته. أي أن هناك أفكاراً شريرة تأتي من الخارج،
وأخرى من الداخل. الأفكار الشريرة التي من الخارج، مثالها محاربة الحية
لحواء، وكانت حواء نقية القلب. ولكن بسبب تساهلها مع الحية، دخلت الأفكار
إلى قلبها، وتحولت إلى شهوة وإلي عمل. أما الأفكار الشريرة التي من
الداخل، فعنها قال الرب "والإنسان الشرير، من كنز قلبه الشرير، يخرج الشر"
(لو6: 45). وقد تأتى الأفكار من القلب من أفكار مختزنة. وقد تأتى من العقل
الباطن، من صور وأفكار وأخبار مختزنة.. من هذا المكنوز في الداخل، تخرج
الأفكار، لأية إثارة، ولأي سبب. فاحرص أن يكون المكنوز فيك نقياً. على أن
الأفكار التي تخرج من العقل، تكون أقل قوة. إنها أقل قوة من الأفكار التي
تخرج من القلب. لأن الخارجة من القلب، تكون ممتزجة بالعاطفة أو بالشهوة،
ولهذا فهي أقوى. وهكذا بإمكان الإنسان بسهولة، أن يطرد الأفكار التي تخرج
من العقل. ولكنه إذا استبقاها، أو تساهل معها، فقد تتحول إلى القلب،
وتنفعل بانفعالاته، فتقوي… لذلك كما يجب على الإنسان أن يحفظ قلبه، كذلك
يجب أن يحفظ عقله، ويحفظ الخط الواصل بين العقل و القلب… "فوق كل تحفظ
احفظ قلبك، لأن منه مخارج الحياة (أم 23:4) أن حرب الأفكار إذا أتتك، وأنت
نقي القلب، حار الروح، ستكون حرباً ضعيفة، وبإمكانك أن تهرب منه. أمت إن
أتتك وأنت في حالة فتور روحي، أو "من كثرة الإثم قد بردت" محبتك للرب.
فحينئذ تكون الحرب عنيفة والهروب صعباً.. لذلك "صلوا لكي لا يكون هربكم في
شتاء". احفظ فكرك، لكي لا يدخله شئ يعكر نقاوتك. واحفظ أيضاً حواسك، لأن
الحواس هي أبواب للفكر.. احفظ نظرك وسمعك وملامسك وباقي الحواس. لأن ما
تراه وما تسمعه، قد لا تمنع ذهنك من التفكير فيه، ومن الانفعال به، لذلك
فالاحتراس أفضل. وإن دخل إلى سمعك أو بصرك أو فكرك شئ غير لائق، فلا تجعله
يتعمق داخلك. وليكن مروره عابراً. إن الأشياء العابرة لا تكون ذات تأثير
قوي. أما إذا تعمقت، فإنها تترسب في العقل الباطن، وتمد جذورها إلى القلب،
وقد تصل على مراحل الانفعال… إن النسيان هو من نعم الله على الإنسان، به
يمكن أن تمحي الأفكار العابرة، وما تعبر به الحواس… أما الأفكار التي
تدخلها إلي أعماقك، فإنها تستقر في باطنك، وتتصل بالشعور وباللاشعور، ولا
يكون نسيانها سهلاً، وقد يكون سبباً في حرب من الأفكار والظنون والأحلام،
و مصدراً للرغبات وللانفعالات، ومبدأ لقصص طويلة.. على أن موضوع الأفكار
قد يحتاج منا إلى رجعة أخرى…