لقد خلق الله الإنسان في حالة البرارة والطهارة كما هو مكتوب "أَنَّ اللَّهَ صَنَعَ الإنسان مُسْتَقِيماً" (جامعة 7: 29). ولكنه عصي الله وتعدى الوصية الوحيدة التي أعطاها له، فوقع تحت طائلة القصاص الذي أصدره الله وأنذره به مقدماً قائلاً "يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا (أي من شجرة معرفة الخير والشر) مَوْتاً تَمُوتُ" (تكوين 2: 17). وهذا الموت ثلاثي: موت روحي، وموت جسدي، وموت أبدي. الموت الروحي هو الانفصال عن الله، وهذا ما حدث بمجرد السقوط في الخطية، إذ شعر آدم وحواء بعدم توافقهما مع محضر الله، فاختبأا "في وسط شجر الجنة" قبل أن يطردهما الله منها. وهذا الموت الأبدي سرى في كيانهما مفسداً طبيعتهما، وتوارثه نسلهما كما هو مكتوب "بِإنسان وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إلى الْعَالَمِ وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ وَهَكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إلى جَمِيعِ النَّاسِ إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ" (رومية 5: 12). وقد شهد بذلك داود النبي إذ قال: "هَئَنَذَا بِالإِثْمِ صُوِّرْتُ وَبِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي" (مزمور 51: 5). وشهد بذلك بعض العلماء فقال أرسطو "إن أكثر أعمال الإنسان محكومة بالعواطف والشهوات. لذلك فانه يقع في الخطأ مهما علم العقل بضرره. فالإنسان يفكر جيداً ويرشده فكره إلى الصواب، لكن تتغلب عليه شهوته فتغويه". وقال آخر "إن الأطفال يأتون إلى العالم وفي طبيعتهم العناد والشر والأنانية".
وكلنا نعرف الحقيقة المتداولة "النفس أمارة بالسوء" مع أن الله لم يخلقها هكذا ولكنها فسدت بالسقوط وهذا أمر طبيعي فالحية لا تلد إلا حية، والخنـزيرة لا يمكن أن تلد حملاً، وكذلك لا يجنون من الشوك عنباً ولا من الحسك تيناً، ولا تقدر شجرة رديئة أن تصنع أثمارا جيدة: (متى 7: 16- 18).
فالناس خطاة لسببين:
أولاً: لأنهم مولودون بطبيعة فاسدة.
ثانياً: لأنهم يخطئون بإرادتهم نتيجة لتلبية رغبات طبيعتهم الفاسدة. كما يقول الرسول "الْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعاً (أي أنتنوا ولم يعد لهم نفع). لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحاً لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ" (رومية 3: 12).
هذا هو الموت الروحي. أما الموت الجسدي فحكم به الله على الإنسان بقوله لآدم "حَتَّى تَعُودَ إلى الأرض الَّتِي أُخِذْتَ مِنْهَا. لأَنَّكَ تُرَابٌ وَإلى تُرَابٍ تَعُودُ" (تكوين 3: 19). ولكن العودة إلى التراب ليست هي النهاية لأن نفس الإنسان خالدة تبقى إلى الأبد، لذلك يقول الرسول بولس "وُضِعَ لِلنَّاسِ أَنْ يَمُوتُوا مَرَّةً ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ الدَّيْنُونَةُ" (عبرانيين 9: 27). وبعد الدينونة (المحاكمة) أمام العرش العظيم الأبيض يُطرح جميع الأشرار في النار الأبدية ويقول الكتاب "هَذَا هُوَ الْمَوْتُ الثَّانِي" (رؤيا 20: 14)، أي بعد الموت الجسدي الأول. وعذاب النار الأبدية حقيقة تقر بها جميع الأديان.
وخلاصة القول هي أن السقوط جلب على البشر:
1. الموت الروحي أي الانفصال عن الله ويتبع هذا فساد الطبيعة البشرية التي صارت مستودعاً لكل بذور الشر والعداوة والقتل والأنانية والشهوات بدرجة تجعل الناس أنفسهم ينفرون من هذه الشرور في الآخرين، فكم بالحري هي كريهة في نظر الله!
2. الموت الجسدي أي انفصال الروح عن الجسد الذي يعود إلى التراب الذي أخذ منه.
3. العذاب الأبدي الذي هو قضاء الله على جميع الخطاة.
وبناء عليه فلا يمكن أن يقترب الإنسان إلى الله أو تكون له معه علاقة حاضراً وأبدياً إلا إذا تم إيفاء مطاليب عدل الله، وإنقاذ الإنسان من عواقب السقوط الوبيلة السابق الإشارة إليها حتى يمكن أن تزول عنه صفة الذنب ويتبرر أمام الله. ولابد أيضاً من إعطاء الإنسان طبيعة جديدة بها يتوافق مع الله ويصلح لمساكنته. ومعالجة حالة الإنسان من كل الوجوه بالكيفية التي ذكرناها مستحيلة على الإنسان تماماً بالرغم من كل محاولاته المستمرة.