اسمعُوا قَوْلَ الرَّبِّ يا بَنِي إسرائيل: «إِنَّ لِلرَّبِّ مُحَاكَمَةً مَعَ سُكَّانِ الأرض لأَنَّهُ لاَ أَمَانَةَ وَلاَ إِحْسَانَ وَلاَ مَعْرِفَةَ اللَّهِ فِي الأرض. 2لَعْنٌ وَكَذِبٌ وَقَتْلٌ وَسِرْقَةٌ وَفِسْقٌ. يَعْتَنِفُونَ وَدِمَاءٌ تَلْحَقُ دِمَاءً. 3لِذَلِكَ تَنُوحُ الأرض وَيَذْبُلُ كُلُّ مَنْ يَسْكُنُ فِيهَا مَعَ حَيَوَانِ الْبَرِّيَّةِ وَطُيُورِ السماءِ وَاسماكِ الْبَحْرِ أيضاً تَنْتَزِعُ. 4«وَلَكِنْ لاَ يُحَاكِمْ أَحَدٌ وَلاَ يُعَاتِبْ أَحَدٌ. وَشَعْبُكَ كَمَنْ يُخَاصِمُ كَاهِناً. 5فَتَتَعَثَّرُ فِي النَّهَارِ وَيَتَعَثَّرُ أيضاً النَّبِيُّ مَعَكَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَا أَخْرِبُ أُمَّكَ. 6قَدْ هَلَكَ شَعْبِي مِنْ عَدَمِ الْمَعْرِفَةِ. لأَنَّكَ أَنْتَ رَفَضْتَ الْمَعْرِفَةَ أَرْفُضُكَ أَنَا حَتَّى لاَ تَكْهَنَ لِي. وَلأَنَّكَ نَسِيتَ شَرِيعَةَ إِلَهِكَ أَنْسَى أَنَا أيضاً بَنِيكَ. 7عَلَى حَسْبَمَا كَثُرُوا هَكَذَا أَخْطَأوا إِلَيَّ فَأُبْدِلُ كَرَامَتَهُمْ بِهوانٍ. 8يَأْكُلُونَ خَطِيَّةَ شَعْبِي وَإلى إِثْمِهِمْ يَحْمِلُونَ نُفُوسَهُمْ. 9فَيَكُونُ كَمَا الشَّعْبُ هَكَذَا الْكَاهِنُ. وَأُعَاقِبُهُمْ عَلَى طُرُقِهِمْ وَأَرُدُّ أعمالهُمْ عَلَيْهِمْ. 10فَيَأْكُلُونَ وَلاَ يَشْبَعُونَ وَيَزْنُونَ وَلاَ يَكْثُرُونَ لأَنَّهُمْ قَدْ تَرَكُوا عِبَادَةَ الرَّبِّ. 11«اَلزِّنَى وَالْخَمْرُ وَالسُّلاَفَةُ تَخْلِبُ الْقَلْبَ. 12شَعْبِي يَسْأَلُ خَشَبَهُ وَعَصَاهُ تُخْبِرُهُ لأَنَّ رُوحَ الزِّنَى قَدْ أَضَلَّهُمْ فَزَنُوا مِنْ تَحْتِ إِلَهِهِمْ. 13يَذْبَحُونَ عَلَى رُؤُوسِ الْجِبَالِ وَيُبَخِّرُونَ عَلَى التِّلاَلِ تَحْتَ الْبَلُّوطِ وَاللُّبْنَى وَالْبُطْمِ لأَنَّ ظِلَّهَا حَسَنٌ! لِذَلِكَ تَزْنِي بَنَاتُكُمْ وَتَفْسِقُ كَنَّاتُكُمْ. 14لاَ أُعَاقِبُ بَنَاتِكُمْ لأَنَّهُنَّ يَزْنِينَ وَلاَ كَنَّاتِكُمْ لأَنَّهُنَّ يَفْسِقْنَ. لأَنَّهُمْ يَعْتَزِلُونَ مَعَ الزَّانِيَاتِ وَيَذْبَحُونَ مَعَ النَّاذرَاتِ الزِّنَى. وَشَعْبٌ لاَ يَعْقِلُ يُصْرَعُ.
1 ارْجِعْ يا إسرائيل إلى الرَّبِّ إِلَهِكَ لأَنَّكَ قَدْ تَعَثَّرْتَ بِإِثْمِكَ. 2خُذُوا مَعَكُمْ كَلاَماً وَارْجِعُوا إلى الرَّبِّ. قُولُوا لَهُ: «ارْفَعْ كُلَّ إِثْمٍ وَاقْبَلْ حَسَناً فَنُقَدِّمَ عُجُولَ شِفَاهِنَا. 3لاَ يُخَلِّصُنَا أَشُّورُ. لاَ نَرْكَبُ عَلَى الْخَيْلِ وَلاَ نَقُولُ أيضاً لِعَمَلِ أَيْدِينَا: آلِهَتَنَا. إِنَّهُ بِكَ يُرْحَمُ الْيَتِيمُ"
نبوة هوشع – الفصل 4: 1-14، و14: 1-3
عاش هوشع النبي في القرن الثامن قبل الميلاد في المملكة الشمالية التي كانت تعرف آنئذ باسم مملكة إسرائيل. وكلمة هوشع هي كلمة عبرية معناها: الله مخلصنا. وهذا يشبه من هذه الناحية اسم يشوع وهو القائد الذي عينه موسى النبي قبيل وفاته والذي جاء ببني إسرائيل إلى أرض كنعان.
سنركز افكارنا الآن على ثلاثة مواضيع ونحن نتأمل في سفر هوشع النبي:
1. للرب محاكمة مع سكان الأرض:
كان هوشع ينادى في القسم الشمالي من بـلاد فلسطيـن ويقـول"1اسمعُوا قَوْلَ الرَّبِّ يا بَنِي إسرائيل: «إِنَّ لِلرَّبِّ مُحَاكَمَةً مَعَ سُكَّانِ الأرض"وبعبارة أخرى كان النبي يقول لمعاصريه: الله غير راض عنكم. انكم لا تسرون الله فهو تعالى يريد أن يأتي بكم إلى المحاكمة. لكن هل يجوز لنا نحن سكان القرن العشرين أن نقول أن كلمات هوشع النبي كانت موجهة فقط لسكان القسم الشمالي من بلاد فلسطين ومنذ ما يقارب ثلاثة آلاف سنة؟ أم هل نسمع شخصيا كلمات النبي فنقول بأنها تنطبق علينا أيضاً في هذه الأيام؟"لِلرَّبِّ مُحَاكَمَةً مَعَ سُكَّانِ الأرض"الأرض بأسرها نعم المسكونة كلها عليها أن تظهر امام الرب للمحاكمة!.
ولكن على أي أساس تستدعى المسكونة أو الأرض للظهور امام الله للمحاكمة؟ أهنالك ذنب معين ومعروف؟ لنصغي إلى كلمات هوشع التي قيلت أولاً بخصوص معاصـريه من مملكة إسرائيل الشمالية"لأَنَّهُ لاَ أَمَانَةَ وَلاَ إِحْسَانَ وَلاَ مَعْرِفَةَ اللَّهِ فِي الأرض"يا لها من تهمة خطيرة: لا أمانة ولا احسان ولا معرفة الرب! ولكن هل يمكننا أن نقبل هكذا كلمات ام هل كان النبي مندفعا فتكلم أكثر مما طلب منه الله؟ حاشا، لم يتكلم النبي الا بما طلب منه الله ولم يكن وصفه لسكان الأرض إلا وصفا واقعيا! لندعه يسرد لنا لائحة الخطايا التي كانت ترتكب نظرا لانعدام الامانة والاحسان ومعرفة الله. قال النبي"2لَعْنٌ وَكَذِبٌ وَقَتْلٌ وَسِرْقَةٌ وَفِسْقٌ. يَعْتَنِفُونَ وَدِمَاءٌ تَلْحَقُ دِمَاءً"هناك أسباب قوية لاجراء المحاكمة مع سكان الأرض، لأن انعدام الفضائل إنما أعطى مجالا لظهور الخطايا الشنيعة التي أتى النبي على ذكرها. نعم أن للرب محاكمة مع سكان الأرض، مع سكان الأرض في أيامنا هذه أيضاً لأن ما تكلم عنه هوشع النبي لا يزال يجرى حتى أيامنا هذه"2لَعْنٌ وَكَذِبٌ وَقَتْلٌ وَسِرْقَةٌ وَفِسْقٌ." أن للرب محاكمة مع سكان أرض القرن العشرين!
2. الرب يتكلم مع سكان الأرض بفم النبي:
كيف يمكن للبشر وخاصة للذين كانوا قد استلموا الوحي الإلهي منذ أيام موسى النبي، كيف يمكن لهؤلاء ولأولئك أن يصلوا إلى هذه الحالة المحزنة؟ هل تستطيع أن تعطينا يا نبي الله هوشع، هل بمقدورك أن تعطينا تفسيرا منطقيا لهذه الحالة المحزنة التي كانت سائدة في أيامك والتي لا تزال تعكر صفوالحياة البشرية حتى يومنا هذا؟ وجواب النبي هو (وهنا علينا أن نذكر أن الله هو المتكلم بواسطة فم النبي)."6قَدْ هَلَكَ شَعْبِي مِنْ عَدَمِ الْمَعْرِفَةِ. لأَنَّكَ أَنْتَ رَفَضْتَ الْمَعْرِفَةَ أَرْفُضُكَ أَنَا حَتَّى لاَ تَكْهَنَ لِي. وَلأَنَّكَ نَسِيتَ شَرِيعَةَ إِلَهِكَ أَنْسَى أَنَا أيضاً بَنِيكَ".
يا لها من كلمات صريحة للغاية، كلمات الله هذه! لقد هلك الشعب من عدم المعرفة. ما معنى هذه الكلمات؟ كان الناس في أيام النبي هوشع قد وقعوا فريسة للعبادة الوثنية التي كانت سائدة في سائر البلاد المحيطة بفلسطين. وجرى سقوطهم أولاً لأنهم أخذوا يعبدون الله متكلين على تماثيل حسية لله فاستعملوا العجل أو تمثال العجل وهم يعبدون الله. ولكن الله كان قد علمهم بكل صراحة في الوصايا العشر وقال لهم بواسطة موسى النبي"لا يكن لك آلهة أخرى أمامي! لا تصنع لك تمثالا منحوتا.. لا تسجد لهن ولا تعبدهن." الله العليم بكل شيء وخاصة بقلب الإنسان الخاطيء والمظلم منع شعبه في أيام النظام القديم من اللجوء إلى عبادته على طريقة عابدي الأوثان. فالانـزلاق في الخطية الوثنية يبدأ بالتساهل هنا وهناك ويتم بصورة تدريجية: أولاً، العبادة على طريقة الأوثان ثم الحياة على طريقة عابدي الأوثان... نعم كان الناس يهلكون روحيا من عدم المعرفة. ويجدر بنا أن نذكر أن الاصنام لا تزال في دنيانا هذه وان كانت في كثير من الاحيان غير منظورة. فعلينا اذن أن نذكر أن معرفة الله معرفة حقيقية هي تلك المعرفة التي تكتفي بما أمر به الله وتمتنع عما نهي عنه الله. وكما أن خطية الزنى هي خطية كبيرة ومدمرة للإنسان في حياته الاخلاقية هكذا أيضاً الوقوع في خطية عبادة الاصنام: يعد الله عبادة الاصنام زنى روحي!
3. الرب يخلص سكان الأرض:
لم يكتف النبي هوشع بأن يتكلم عن خطايا بني جنسه بل ذكر لدى نهاية سفره موضوع الشفاء من الخطية وكما ذكرنا سابقا أن اسمه يعني الله مخلصنا. قال هوشع في الفصل الرابع عشر من نبوته"ارْجِعْ يا إسرائيل إلى الرَّبِّ إِلَهِكَ لأَنَّكَ قَدْ تَعَثَّرْتَ بِإِثْمِكَ. 2خُذُوا مَعَكُمْ كَلاَماً وَارْجِعُوا إلى الرَّبِّ. قُولُوا لَهُ: «ارْفَعْ كُلَّ إِثْمٍ وَاقْبَلْ حَسَناً فَنُقَدِّمَ عُجُولَ شِفَاهِنَا"
ان الله الذي لا يزال يكلمنا اليوم بواسطة الأنبياء يطلب منا نحن أيضاً أن نعود اليه. والعودة إلى الله، الرجوع إلى الله، هذا هو الدواء الوحيد الذي يقدمه لنا الله ويطلب منا أن نستعمله لنشفى نحن أيضاً من آثامنا وخطايانا.
قد يقول لي احدهم: انا لا أجد في القوة الروحية والمعنوية الكافية للرجوع إلى سبيل الله وللسير على طرقه المستقيمة ولإبعاد صنمية القرن العشرين عن أفكاري وآرائي حسن ما يعترف به هذا، ولكن ليس هناك من إنسان يقدر أن يرجع من تلقاء نفسه إلى الله. هل تعلمت هذه النقطة الواحدة من عظتنا؟ ما هو اسم النبي: هوشع أي الله هو المخلص. وبعد نحو800 سنة من أيام هوشع وبعد أن حدثت أمور محزنة للغاية في البلاد المقدسة جاء كلمة الله إلى عالمنا هذا وأعطى اسم يسوع أي الله مخلصنا. جاء السيد المسيح المخلص لحل مشكلة الخطية فتعذب عنا ومات عوضا عنا لكي نستطيع أن نرجع إلى الله.