تعتبر ظاهرة الطفل العصبي من الظواهر الحساسة والدقيقة والخطيرة داخل الاسرة، ولعلها مشكلة لا ترجع إلى عوامل نفسية وحسب، وإنما لها عوامل جسمية تؤثر في عدم استقرار الطفل، إن مهمة الوالدين هنا هي محاولة الوقوف عند الأسباب الكامنة خلف هذه الظاهرة وفهمها ومن ثم مساعدة الطفل في سُبل الخلاص منها وبالتالي الوقاية منها بوسائل غير قهرية، مرنة وهادئة.
وترى بعض الدراسات النفسية أن أهم أسباب عصبية الأطفال هي الشعور بالعجز
والعداوة وكذلك الشعور بالعزلة و الانطوائية والحرمان من الدفء العاطفي والحنان
الأسري، وكذلك تأثير الآباء الذين يقسون على أبنائهم مما يوجد لدى الأبناء
حالات عصبية شديدة ومتعددة وقد تصل إلى الاعتداء على الآخرين وإتلاف الممتلكات.
ويضاف إلى ذلك أن التفريق بين الأبناء الكبار والصغار، الذكور والإناث
والمجتهدين وقليلي الاجتهاد، يؤدي إلى حالات عصبية لدى الأطفال، يضاف أيضاً عامل مهم جداً وهو: المشاجرة بين الأهل في المنزل، إذ أن الصراخ العالي والشتائم
أمام مرأى ومسمع الأبناء له مخاطر سلبية كبيرة على نفسيتهم، حيث يشعرون
بعدم الأمان وعدم الراحة والقلق.
إن الجو الأسري السلبي الذي يكتنفه مشكلات الوالدين يؤدي إلى حالات من التهور والعدوانية والعصيان لدى الأبناء، يشعرون بمستويات عالية من الضيق النفسي والتوتر والعصبية.
ومن العوامل الجسمية التي تؤدي إلى العصبية لدى الطفل اضطراب الغدة كزيادة إفراز الغدة الدرقية، وسوء الهضم والإصابة باللوز والديدان، ومرض الصرع، لذلك فإنه من الضرورة عند معالجة حالات الاضطراب والقلق والعصبية لدى الطفل الانتباه إلى خلو الطفل من الأمراض العضوية التي تؤثر على صحته العامة.
فإن وجد الطفل سليماً من الناحية الجسمية عندها تكون أسباب العصبية هي نفسية، وجدير بالإشارة إلى أن الأب الذي يعاني من العصبية والتوتر ينقل هذه المظاهر ِإلى أطفاله، لأن الطفل في حقيقية الأمر يلاحظ سلوك أبيه وينقل تصرفاته.
وكذلك الأم الثائرة الغاضبة تعلم أطفالها العصبية والتهور والرعونة بدلاً من أن تعلمهم مجابهة الحياة بتروّ وهدوء دون انفعال أو عصبية مبالغ ٍ فيها.
والأم التسلطية تصبح مصدراً من مصادر الإحباط للطفل فيقاومها كلما تمكن من ذلك، بعكس الأم المرنة الهادئة التي يحبها الطفل ويثق فيها، وبالتالي يخضع لمشيئتها، وينفذ مطالبها بكل قناعة وهدوء واطمئنان.
وعندما يكبر الطفل ينقل هذه الانفعالات والأساليب ويبدأ في تعميمها، ومن هنا فإن التربية الحديثة تؤكد على تربية الآباء قبل تربية الأبناء، تربية المعلمين قبل التلاميذ الصغار، وإذا كانت القسوة تؤدي إلى عصبية الأطفال وتوترهم فإن التدليل المبالغ فيه، والإفراط في الحماية يؤديان إلى عصبية الأطفال وانفعالاتهم المَرَضِيَّة وتوترهم الدائم.
والتدليل يُنمِّي في شعور الطفل صفة الأنانية ويجعله دائم التمركز حول ذاته، وكأن ذاته هذه هي محور الكون ومركز اهتمام البيئة، فيتعلم ضرورة الاستجابة لطلباته ورغباته دون تأخير أو تأجيل، ويثور ويغضب إن لم تُجَب طلباته.
ويمكن أن يعاني من العصبية والتوتر الطفل الذكي باعتبار أن المستوى الفكري لديه يفوق أشقاءه وأقرانه فيدرك ويستوعب كل ما يقال له بشكل أسرع وأعمق.
ويمكن ملاحظة أنه كلما استرسل المعلم في الشرح والتكرار شعر هذا الطفل بالملل
والضيق والتبرم لأنه يستوعب بسرعة ملحوظة، فنراه يستخف بالدراسة وحتى في المنزل لا يبذل جهداً كبيراً في التحصيل والاستذكار.. ومن المعروف أن الطفل الذكي كثير الأسئلة مما يعرضه للسخرية واشمئزاز الأهل أو المعلم، مما يؤدي إلى إيجاد حالات توتر وضيق وقلق نفسي، والإحباط، فيلجأ إلى أسلوب العصبية والعدوانية.
ويمكن هناك عدة مظاهر خارجية يمكن الاستدلال بها لمعرفة الاطفال الاذكياء وهي على سبيل المثال لا الحصر استقلال التفكير ودقة الملاحظة وقوة الذاكرة وسرعة الفهم وعمقه والقدرة على الابتكار والتجدد والثقة بالنفس وعدم التردد وعلى مواجهة الصعاب والعراقيل.
ومن أعراض العصبية مص الأصابع وقضم الأظافر وهناك حركات غير طبيعية يلجأ إليها بعض الأطفال تدل على العصبية ومنها مثلاً تحريك الساق وهزه بشكل شبه متواصل، تحريك رمش العين بشكل مستمر، وتحريك الأنف يمينا ويسارا، تحريك الرقبة، وتحريك الفم أو الأذن وعندما تتأصل هذه الحركة في الطفل فإنها في الواقع وسائل للتخلص من التوترات العصبية الناتجة عن اضطرا بات نفسية شديدة.
والسؤال المطروح هو كيف يتم وقاية الطفل من العصبية؟
الحقيقة يمكن ِِأن نقي الطفل من ظاهرة العصبية بضرورة اتصاف الآباء بالهدوء وعدم الإنفعال والغضب لسبب يسير، لأن ذلك ينعكس سلباً على الأبناء، فلا بد من أن يكون الآباء قدوة صالحة لأبنائهم، فالأبناء يتأثرون بوالديهم حتماً.
عدم التفريق بين الأبناء في المعاملة أو تفضيل الذكور على الإناث، فهذا يؤدي إلى شعور الطفل بأنه غير مرغوب به، وأنه مضطهد ومكروه.
وإفساح المجال أمام الأطفال في المخالطة والتعاشر الاجتماعي مع أصدقائهم
وأجواء بيئتهم للترويح عن أنفسهم، وتفريغ طاقاتهم المختنقة في صدورهم وأعماقهم،
وإفساح المجال لنمو شخصياتهم اجتماعياً مع الانتباه ِإلى عدم مخالطة رفاق السوء
والإقلال من التدخل في شؤون الأطفال، وترك فسحة الحرية لهم لتدبير أمورهم.
السعي ما أمكن لإشباع الحاجات النفسية والعاطفية بتوفير أجواء الاستقرار
والمحبة والحنان والأمان والدفء، وتوفير الألعاب الضرورية والآلات التي ترضي
ميولهم، ورغباتهم، وهواياتهم، لأن ذلك يساهم في تطوير شخصياتهم.
التخفيف أو حتى الإلغاء من مظاهر القسوة التي يمارسها الآباء تجاه الأبناء لأن ذلك يؤثر في شخصياتهم التي تتجه - إزاء ذلك - إلى العنف والعصبية والتوتر والعدوانية أو الانطوائية والانعزالية.
وتشجيع الأطفال على الإبداع، وعدم السخرية من الطفل الموهوب أو المبدع وفهم
نفسيته، وتوفير مستلزمات وحاجات العملية الإبداعية للطفل لكي يتطور وينمي
موهبته لخدمة الفرد والأسرة والمجتمع وهكذا.. فإن الاهتمام بالطفل وإشباع
حاجاته النفسية، وعدم التفريق بين الأبناء، وتوفير أجواء الهدوء والمحبة
والاستقرار، وتحفيزهم على المعاشرة الاجتماعية، وتنمية الإبداع لدى الطفل الموهوب، وعدم السخرية منه أمور ضرورية وهامة لبناء شخصياتهم ولإبعادهم
عن مظاهر العصبية والعنف والعدوانية وهذه مهمة الأسرة والمدرسة والمؤسسات
التربوية والتعليمية والإعلامية.