بعد سقوط آدم وحواء في الخطية، ثم قتل قايين لأخيه هابيل.. عرف آدم امرأته حواء فولدت ابنًا ودعت اسمه شيث، وابتدأ الكتاب المقدس يذكر نسل آدم من شيث ووصل إلى أخنوخ الذي هو السابع من آدم .
شخصية أخنوخ شخصية هامة جدًا لأنها لإنسان سار في حياة القداسة، ولأنه لم يمت مثل بقية الناس حتى الآن.
ولم يذكر الكتاب المقدس عنه سوى كلمات قليلة هي: "وعاشَ أخنوخُ خَمسًا وسِتينَ سنَةً، ووَلَدَ مَتوشالَحَ. وسارَ أخنوخُ مع اللهِ بَعدَ ما وَلَدَ مَتوشالَحَ ثَلاثَ مِئَةِ سنَةٍ، ووَلَدَ بَنينَ وبَناتٍ. فكانَتْ كُلُّ أيّامِ أخنوخَ ثَلاثَ مِئَةٍ وخَمسًا وسِتينَ سنَةً. وسارَ أخنوخُ مع اللهِ، ولم يوجَدْ لأنَّ اللهَ أخَذَهُ" (تك5: 21–24).
وذكره أيضًا بولس الرسول في رسالته للعبرانيين أنه من رجال الإيمان.. "بالإيمانِ نُقِلَ أخنوخُ لكَيْ لا يَرَى الموتَ، ولم يوجَدْ لأنَّ اللهَ نَقَلهُ. إذ قَبلَ نَقلِهِ شُهِدَ لهُ بأنَّهُ قد أرضَى اللهَ" (عب11: 5).. وذكر يهوذا الرسول في رسالته نبوة منسوبة لأخنوخ كما سنرى..
حين ولد أخنوخ كان آدم لا يزال حيًا.. وآدم عاش 930 سنة، وعند ولادة أخنوخ كان عمر آدم 622 سنة.. إذًا عاش أخنوخ 308 سنة مع جده آدم. ومن المؤكد أنه سمع منه عن الله الخالق والمحب وعرف منه الطريق إلى الله ولذلك.. "سارَ أخنوخُ مع اللهِ".
من الممكن أن نرى في أخنوخ رمزًا للسيد المسيح..
eأخنوخ هو السابع من آدم، ورقم 7 يرمز للراحة التي تحققت في المسيح بفدائه للبشرية وتخليصها من الخطية.
eكذلك في كونه لم يمت بل نُقل إلى فوق.. يرمز للمسيح الذي قام من الأموات وصعد إلى السموات.
من أجمل ما قيل عن أخنوخ إنه: "سارَ مع الله".. إنسان ماشى مع ربنا بالتعبير الدارج.. ماشى مع ربنا طوال حياته.
eمن المؤكد أنه كان ينفذ وصايا الله التي تعلمها من جده آدم وشيث وغيرهما، ومنها تقديم الذبائح مثلا مثلما قدم هابيل.
eمن المؤكد أنه عاش في محبة للكل.
eمن المؤكد أنه ربى أولاده في محبة وخوف الله، وأوصل إليهم ما تعلمه من آبائه وأجداده.
eمن المؤكد أنه آمن بوعد الله بالخلاص.. أن نسل المرأة يسحق رأس الحية.. "وأضَعُ عَداوَةً بَينَكِ وبَينَ المَرأةِ، وبَينَ نَسلِكِ ونَسلِها. هو يَسحَقُ رأسَكِ، وأنتِ تسحَقينَ عَقِبَهُ" (تك3: 15).
ولأنه عاش حياته مع الله بطريقة جادة استحق أن ينقله الله إليه..
eيقول عنه سفر الحكمة: "إنه كان مرضيًا لله فأحبه وكان يعيش بين الخطاة فنقله" (حك4: 10).
eويقول عنه يشوع بن سيراخ: "أخنوخ أرضى الرب فنقل وسينادى الأجيال إلى التوبة" (سى44: 16).
eوأيضًا: "لم يخلق على الأرض أحد مثل أخنوخ الذي نقل عن الأرض" (سى49: 16).
هذه شهادة الأسفار المقدسة عن أخنوخ.. والسؤال لنا هل نحن نسير حقا مع الله؟
كان أخنوخ أيضًا نبيًا، ذكر عنه يهوذا الرسول: "وتنَبّأَ عن هؤُلاءِ أيضًا أخنوخُ السّابِعُ مِنْ آدَمَ قائلاً: هوذا قد جاءَ الرَّبُّ في رَبَواتِ قِدّيسيهِ، ليَصنَعَ دَينونَةً علَى الجميعِ، ويُعاقِبَ جميعَ فُجّارِهِمْ علَى جميعِ أعمالِ فُجورِهِمُِ التي فجَروا بها، وعلَى جميعِ الكلِماتِ الصَّعبَةِ التي تكلَّمَ بها علَيهِ خُطاةٌ فُجّارٌ" (يه14-15).
وقد تمت هذه النبوة، وتحققت جزئيًا بمجيء الطوفان، ويكتمل تحقيقها في اليوم الأخير يوم الدينونة العامة.
لم يمت أخنوخ بل نُقل، وهناك شخص آخر لم يمت هو أيضًا وهو إيليا النبي.
هذان - أخنوخ وإيليا - لم يموتا حتى الآن، ولكن لابد أن يأتيا مرة أخرى للأرض لكي يموتا كباقي البشر.. "وُضِعَ للنّاسِ أنْ يَموتوا مَرَّةً ثُمَّ بَعدَ ذلكَ الدَّينونَةُ" (عب9: 27)، ولأنهما لا يستطيعان بالجسد المادي أن يدخلا ملكوت السموات في اليوم الأخير لأن "لَحمًا ودَمًا لا يَقدِرانِ أنْ يَرِثا ملكوتَ اللهِ، ولا يَرِثُ الفَسادُ عَدَمَ الفَسادِ" (1كو15: 50).. لذلك فمعظم المفسرين يقولون إن أخنوخ وإيليا هما الشاهدان المذكوران في سفر الرؤيا.. "وسأُعطي لشاهِدَيَّ، فيَتَنَبَّآنِ ألفًا ومِئَتَينِ وسِتينَ يومًا، لابِسَينِ مُسوحًا" (رؤ11: 3)، اللذان سيحاربان الوحش (ضد المسيح) وينتصران عليه رغم أنه سيقتلهما.
وفى هذا يقول العلامة ترتليانوس: "إن الله أبقى أخنوخ وإيليا في السماء بجسديهما لحين إرسالهما للشهادة وليموتا كمثل سائر البشر بالجسد حيث يقتلهما ضد المسيح لأنهما قد صعدا حيين".
eكان أخنوخ كارزًا في حياته، وكان كارزًا في نقله إلى فوق، فبعدم موته يكرز للناس أن هناك حياة أخرى يذهب إليها الأبرار، فلا ينغمسون في الخطية بحجة حكم الموت على الإنسان، وأن نهاية الحياة موت مهما كانت بارة أو خاطئة، وسيكرز أيضًا في الأيام الأخيرة أيام ضد المسيح.
ليتنا نتعلم من أخنوخ حياة الجدية، والسير مع الله..
ونقول له: "اطلب من الرب عنَّا..
أيها الرجل الكامل البار أخنوخ الصديق ليغفر لنا خطايانا"
بركة صلواته فلتكن معنا.
ولربنا المجد الدائم إلى الأبد آمين.