من طبيعة الشيطان أن يقاوم البر والأبرار. وحروبه هى اختبار لحرية إرادتنا. فإذا انتصرنا فيها نصبح مستحقين لخيرات السماء وأيضاً تكون لنا مكافأت على الأرض. والشيطان بإستمرار يحسد السالكين فى الفضيلة، لكى لا ينالوا البركة الإلهية التى حُرم هو منها.
?? وحروب الشيطان وكل جنوده وأعوانه هى ضد الكل، لم ينجو منها أحد إذ يحاول الشيطان بكل جهده أن يبعد البشرية عن الله. فلا تظنوا أن حروب الشياطين هى للمبتدئين فقط أو للخطاة. كلا فهو يحارب الكل مهما ارتفعوا فى حياة البر، بل يحارب الأبرار بالأكثر. لذلك على كل إنسان أن يحترس، ولا يظن أنه قد ارتفع فوق مستوى هذه الحروب. والشيطان دائم الجولان فى الأرض لكى يصيد ضحاياه ويبحث عن أية فريسة ليسقطها.
?? الشيطان لا ييأس مهما كان الذى يحاربه قوياً. فالخطية قد طرحت كثيرين جرحى وكل قتلاها أقوياء. وإن كانت ملائكة السماء تفرح بخاطئ واحد يتوب، فلا شك أن الشياطين تفرح ببار واحد إذا سقط، بل تفرح بسقوط أى أحد يخضع لهم ويصبح من أعوانهم. وهى حروب دائمة، قد تتنوع ولكنها لا تنتهى.
?? وحروب الشيطان قد تشتد فى الاوقات المقدسة، كالصوم مثلاً، والشيطان يتضايق جداً حينما نبدأ فى أى عمل روحى. فيسعى بكل الحيل لئلا تفلت الفريسة منه، فنحن نبدأ العمل الروحى وهو يبدأ فى المقاومة. لأنه لا يستريح لآية صلة لنا مع الله. كذلك إن بدأ الإنسان بالصلاة الطاهرة العميقة أو التأمل الروحى أو التسبيح، فإن الشيطان لا يقف مكتوف اليدين أو متفرجاً وإنما يعمل هو أيضاً عمله. والعمل الروحى بما فيه خدمة الله يُثير حسد الشياطين، إذ كيف للبشر الذين لهم جسد من تراب تكون لهم حياة مرتبطة بالله، بينما الشيطان وهو روح بعيد عن الله وروحه نجسة!
?? ومحاربات الشيطان قد تكون خفيفة أحياناً أو ثقيلة. فإنسان يحاربه الشيطان بشهوة ما، فإن استجاب لها يكتفى الشيطان بنقطة البدء هذه، ثم يترك هذه الفريسة المسكينة يحاربها فسادها الداخلى أو تحاربها عاداتها الخاطئة أو غرائزها. والإنسان المنتصر فى حروب الشياطين على طول الخط، ربما يحاربه الشيطان بالكبرياء، لكى يرتفع قلبه وتتركه النعمة.
?? وهناك حروب شيطانية عنيفة وفجائية، منها الظهورات المفزعة، أو الرؤى الكاذبة وسائر الضربات الشيطانية. ولكن الله لا يسمح لأن تحدث أمثال هذه الحروب لكل أحد. لأنه لا يدعنا نجرب فوق ما نستطيع. ولهذا ننصح الذين يُحاربون بالرؤى والأحلام المضللة، أن يعرفوا أن ليست كل الرؤى والأحلام من الله أو من العقل الباطن، فبعضها من الشياطين.
?? لا ننسى أن الشيطان حارب العالم القديم بالوثنية وعبادة الأصنام، وبعبادة الأرواح وبعض مظاهر الطبيعة مثل عبادة الشمس. كما حاربهم بتعدد الآلهة أيضاً. والبعض حاربه بإنكار وجود الله كما حدث فى الشيوعية. وأيضاً مع الوجوديين الذين غلبهم أولاً بالشهوات. ثم أقنعهم أن يقولوا "من الخير أن الله لا يوجد لكى نوجد نحن" على اعتبار أن وصايا الله تحد من حريتهم.
?? ومن محاربات الشيطان، حروب الشك، كالشك فى رعاية الله وخصوصاً إذا صلى شخص وشعر أن صلواته لم تستجب. وحروب الشك فى القيامة وفى السماء وفى عقائد كثيرة. فإن آتتك بعض هذه الحروب لا تظن أنك قد ضعت تماماً، إنها محاربات من الشيطان فعليك بالصلاة لكى ينجيك الرب منها. وقل له فى صلاتك "أنا يارب أعبدك وأؤمن بك، لكن هذه الأفكار غريبة عنى وتأتينى من الخارج". كذلك امْتَنِع عن القراءات التى تجلب مثل هذه الأفكار. وثق أن الله لا يمنع أمثال هذه الحروب ولكنه يساعدنا لكى ننتصر عليها.
?? لا تخافوا من الشيطان ومن حروبه. لأننا إن ضعفنا أمامه. نجعل للشيطان كرامة ليست له، ونجعله يتجرأ علينا. بل يجب أن نصمد أمام الشيطان ونقاومه، حينئذ لا يجد له مكاناً فينا فيهرب ويبعد عنا. كذلك لا يليق أن نترك عقولنا فى فراغ لئلا يجدها الشيطان فرصة لكى يملأ فراغنا بما يلقيه فيه من أفكار وشهوات.
?? إن الشيطان قد يحاربنا بحياة اللهو، وحياة الترف، ومحبة المادة أو المال، أو الانقياد إلى ملاذ الجسد واشباع غرائزه. كل ذلك لكى يمهد قلوبنا وأفكارنا لحروب أشد. ومنها شهوات يلقيها فى ذهن الإنسان. وهذه تكون ضعيفة فى أولها، لأنها غريبة عليه. وتظل هكذا ضعيفة إلى أن يفتح لها الأنسان باباً تدخل منه إلى قلبه، وإلى مشاعره وهكذا يكون قد أخطأ. بفتح القلب للشيطان وهذه خيانة روحية لله، ومحاولة لتحطيم ملكوت الله داخلنا.
?? هناك حروب أخرى للشيطان تكون بطيئة طويلة المدى جداً لا يشعر بها الشخص. وبها يجذب الشيطان ضحاياه بتدرج طويل يخدرهم قليلاً قليلاً، وينقص من حرارتهم الروحية شيئاً فشيئاً على مدى واسع حتى تتغير حياتهم وهم لا يدركون ذلك إلا بعد فوات الفرصة، حينئذ ينتهز الشيطان ما وصلوا اليه من فتور فيضربهم بعد ذلك ضربة شديدة وهم غير مستعدين لها.
?? وربما يغرى الشيطان بعض الناس بأن يقيموا أنفسهم مصلحين لغيرهم، وقضاة على أفعال الغير. فإن اقتنعوا بهذا يعلمهم الغضب والثورة ومسك سيرة الناس، والتدرج حتى الوصول إلى انتقاء القادة. واعتبار أنفسهم أبطالاً فى كل هذا ولا مانع من أن يتلفظوا بكلمات جارحة فى انتقاداتهم، ويفخرون بكل ذلك، ويعتبرون أنهم يفعلون خيراً ولا تؤنبهم ضمائرهم. فهذه احدى محاربات الشيطان أن يُلبس الخطية ثوب فضيلة