هل في العالم حقًا ما يُشبع؟
التفتُّ أنا إلى كل أعمالي التي عمِلتها يداي، وإلى التعب الذي تعبته في عمله، فإذا الكل باطل وقبض الريح، ولا منفعة تحت الشمس ( جا 2: 11 )
في البدء، عندما خلق الله الإنسان، وضعه في الجنة، فيها كل ما يشتهيه المِرء دون عناء. وكان الخير كله من حوله، وأما الذي كان يملأ قلبه فهو حب الله وحده. ثم دخلت الخطية، هذه الجرثومة الخبيثة، فعزلت الانسان عن الله وضعت حب الأشياء مكانه. فهل أمكن لتلك الأشياء أن تُسعد الإنسان؟ سلْ سليمان الحكيم كاتب سفر الجامعة، هذا الذي جرَّب كل ما في العالم من ملذَّات ومباهج، هل أمور العالم ملأت فراغ قلبه؟ سلْ المرأة السامرية التي التقاها المسيح عند بئر سوخار بحسب ما وَرَد في يوحنا4، هل شهوات الجسد أسعدت هذه المرأة، التي ظلت تبحث عن السعادة دون هوادة ودون جدوى؟ كلا البتة.
إن إحدى تكتيكات الشيطان في حربه معنا ليفقدنا سلامنا، وإحدى محاولاته لتحطيم شهادتنا، هو ما يمكن تلخيصه في عبارة: ”الأشياء بدل الله“. هذه هي كذبة الشيطان الكُبرى. هذه هي عروض العالم الخادعة. هذه هي رغبة الجسد وميله. لكن هل حقًا هناك بديل عن الله، مهما قدَّم لنا العالم من عطايا ووعدنا بالإغراءات؟
إن النظرة الخادعة للعالم، التي تغري الإنسان الطبيعي، وتخدع بعضًا من أولاد الله، قد زادت اليوم ـ كما قال أحد الأفاضل ـ نتيجة انتشار الأفلام السينمائية والمُسلسلات التليفزيونية. فلقد أتقنت تلك الأفلام تصوير السعادة (الزائفة) التي يبدو فيها أهل العالم. والحقيقة أنه ما أشد البؤس والخواء في بيوت المشاهير وقصور الأغنياء! فلا تنخدع يا عزيزي بظاهر الأشياء. إن كثيرين من هؤلاء أنهوا حياتهم بالانتحار، وفضَّلوا أن يمضوا إلى المجهول، من هذا المعلوم الذي لا يُطاق، والذي يعيشونه.
نعم، ما أكثر الشقاء في قصور الأثرياء! وما أكثر الحيرة والاضطراب في قلوب الحاصلين على أعلى الألقاب! وما أعمق الشر الدفين في قلوب المُتظاهرين بالدين! فلا تَدَع عدو النفوس يخدعك، بل إن أردت أن تعلم الحقيقة كاملة، فادخل مقادس الله، كما فعل آساف في مزمور73، وهناك سترى الأمور على حقيقتها، وبدل أن تحسد أولئك المخدوعين، سترثي لهم، وستقول لأولئك المُرفَّهين: «ابكوا مولولين على شقاوتكم القادمة» ( يع 5: 1 ).